إذا علم أحد أن لربه وجهاً كله بهاء وأنوار، وجلال، وعظمة، واعتقد هذا الاعتقاد الصحيح، فواجب عليه أن يسعى سعياً حثيثاً لإكرام وإجلال وإعظام هذا الوجه، ويتشوق إلى رؤية هذا الوجه الكريم، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم من شدة شوقه إلى رؤية وجه الله يقول:(وأسألك الشوق إلى لقائك، وأسألك لذة النظر إلى وجهك).
فلا بد على المؤمن التقي أن يتهيأ بالأعمال لرؤية هذا الوجه الكريم، وحتى يصل إلى درجة أن ينظر إلى وجه الله جل وعلا في جنات عدن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لمولاه عندما قال: أسألك مرافقتك في الجنة، قال:(أعني على نفسك بكثرة السجود)، فعند أداء الفرائض -وهي أحب ما تكون لله جل وعلا- ثم إتباع الفرائض بالنوافل حتى يتهيأ فيقف أمام ربه ويسأله النظر لوجهه الكريم، كما تشوق موسى عليه السلام وقال:{رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}[الأعراف:١٤٣]، وذلك عندما استمع إلى صوت الله جل وعلا فاشتاق إلى رؤية وجه الله الكريم، ولكن وجه الله، أنوار وبهاء وعظمة، فعندما تجلى للجبل جعله دكاً، بل كل الجبال ستكون دكاً إذا تجلى لها الله جل وعلا بأنواره وسبحات وجهه، وهذا هو الذي جعل النبي صلى الله عليه وسلم يتشوق إلى رؤية وجه الله الكريم.
كذلك لا بد خصوصاً على من آمن بهذه الصفة أن يسارع في الخيرات ويبدأ بالقلب أولاً، ويجتهد في تطهيره من كل دنس، وتطهيره من الحسد والحقد والغل وغير ذلك من الأمراض والأدواء التي هي من أمراض القلوب.
ثم بعد ذلك يطهر أعماله الظاهرة، ولسان حاله يقول: وعجلت إليك ربي لترضى، فيسعى ليهيأ نفسه حتى ينظر إلى وجه الله الكريم، أو يكون ممن يستحق أن يرى وجهه الكريم، فإن كثيراً من الناس خسروا رؤية الله جل وعلا كما قال تعالى:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ}[المطففين:١٥]، نعوذ بالله من ذلك، فيكون قد هيأ نفسه أولاً، ثم ينصح كل الأمة أن تتخلى عن المعاصي، وعن النظر إلى الحرام؛ لأن هذا مدعاة لعدم رؤية الله جل وعلا، أو حرمان المتعة الكاملة برؤية الله، فالمتعة برؤية الله مرتبطة بالطاعة، ومن يرى الله في الفردوس الأعلى لا يكون كمن يراه في أقل درجة من درجات الجنة، فإن المتعة تتفاوت، كما أن الدرجات تتفاوت في الخير وفي الفضل.
فمن المسارعة في الخيرات أن يبتعد عن المعاصي والمساوئ والسيئات، وكذلك لابد للإنسان حتى ينظر إلى وجه ربه الكريم أن يخلص العمل لله جل وعلا، ولوجهه سبحانه.
فإنه اعتقد أن لربه هذه الصفة العظيمة الجليلة، فيلزمه أن يخلص العمل لربه الجليل كما قال الله تعالى مادحاً أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه خير هذه الأمة بعد نبينا:{وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى * إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى}[الليل:١٩ - ٢١]، وهذا مدح وبشارة لـ أبي بكر، فهو الذي اعتقد اعتقاداً جازماً صحيحاً سليماً بأن لربه وجهاً كريماً، فإذا به يريد أن يرى هذا الوجه، فعمل مخلصاً لوجه الله، قال الله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}[الكهف:١١٠]، ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الأعمال التي تقبل عند الله قال:(لا يقبل الله من العمل إلا ما كان صالحاً، وابتغي به وجهه).
فإن شرط القبول للأعمال هو ابتغاء وجه الله جل وعلا فيها، فإذا اعتقدت بأن لله وجهاً فلا بد أن تسعى وترتقي بأنوار الإيمان؛ لترى ربك جل وعلا.