[عقيدة ابن خزيمة]
كان ابن خزيمة سلفي العقيدة على طريقة أهل الحديث، يقول بما قاله الصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون وتابعوهم، ومما يبين هذا قوله في هذا الكتاب: فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر مذهبنا: أنا نثبت لله جل وعلا ما أثبته لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا ونطبق بذلك بقلوبنا من غير أن نشبه وجه خالقنا بوجه أحد من المخلوقين، وعز ربنا عن أن نشبهه بالمخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين، وعز أن يكون عدماً كما قاله المبطلون.
والفرق بين التشبيه والتمثيل أن التشبيه هو المطابقة في أغلب الصفات، والتمثيل: في كل الصفات، قال الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَي} [الشورى:١١].
فكل معطل مشبه باللزوم؛ لأنه شبه أولاً فخشي من إثبات التشبيه فقال: يد الله كيد البشر، عين الله كعين البشر، لا، ليس له يد ولا عين؛ فعطل خوفاً من التشبيه.
والتعطيل تعطيلان: تعطيل كلي وجزئي، تعطيل بنفي الاسم والصفة، وهو تعطيل غلاة الجهمية، يقولون: لا عليم ولا علم، ولا كريم ولا كرم، ولا عزيز ولا عزة، أعوذ بالله من هذا الضلال المبين والكفر الفاحش، فغلاة الجهمية ينفون عن الله الاسم والصفة، هذا هو التعطيل الكلي، نفي الاسم والصفة.
والتعطيل الجزئي: نفي الصفة دون الاسم، يثبتون الاسم فيقولون: الله من أسمائه الحسنى العليم، لكن لا يثبتون العلم، ولذلك كثير من القدرية يقولون: الله لا يعلم أفعال العباد حتى يعملوها، فهؤلاء عطلوا الصفة دون الاسم.
وهم في تعطيل الصفة متفاوتون، فمنهم من يعطل جميع الصفات، ومنهم من يعطل أغلب الصفات وهم الأشاعرة الذين أثبتوا السبع الصفات التي يدل عليها العقل كما زعموا.
وقال ابن خزيمة أيضاً: نحن نقول: إن الله سميع بصير كما أعلمنا خالقنا وبارئنا، ونقول: من له سمع وبصر من بني آدم فهو سميع وبصير، ولا نقول: إن هذا تشبيه المخلوق بالخالق، ونقول: إن لله عز وجل يدين يمينين لا شمال فيهما، ونقول: إن من كان في بني آدم سليم الجوارح والأعضاء فله يدان يمين وشمال، ولا نقول: إن يد المخلوق كيد الخالق عز ربنا عن أن تكون يده كيد خلقه.
ومعنى كلامه أن الأسماء والصفات توقيفية، يعني: لا بد من وجود نص من كتاب أو من سنة حتى نقول: هذا اسم لله أو هذه صفة من صفات الله جل وعلا.
والله جل وعلا اسمه السميع البصير، ويوصف المرء بالسمع والبصر، فيقال: إنه سميع بصير، فاتفقا في التسمية لكن يختلفان في الكيفية، قال الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].
وأسماء الله تتضمن صفات كمال، لكن الإنسان قد يسمى باسم لا يتضمن الصفة، فمثلاً: يسمى كريماً وهو أبخل البشر، أو شجاعاً وهو أجبن الناس.
وهنا قال ابن خزيمة: إن لله جل وعلا يدين لا شمال فيهما، والدليل على أن لله يدين اثنتين قول الله جل وعلا: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس:٧١] فهو من باب التعظيم، والعظمة كلها لله، فحق لله أن يعظم نفسه، أما ترى أن الملك مثلاً يقول لأتباعه: إن الملك يأمر بكذا، وما يقول: أنا، يعظم نفسه.
أما قوله: لا شمال فيهما فقد اختلف العلماء في ذلك على قولين: القول الأول: لله يد يمين ويد شمال؛ بدليل الحديث الذي في صحيح مسلم قال: (ثم يأخذ السماوات بشماله) فصرح بالشمال.
القول الثاني: قالوا: في الحديث: (كلتا يدي ربي يمين)، فلا نثبت لله يد شمال.
ونحن نقول: إذا ثبت أن لله شمالاً سمعنا وأطعنا، وأثبتنا ما أثبته الله لنفسه، وأثبتنا ما أثبته له رسوله، لكن الزيادة في هذا الحديث ضعيفة، إذ إن الثقة خالف الثقات وذكر لفظة (الشمال)، فلا شمال لله جل وعلا؛ لضعف هذا الحديث، ولو ثبت لأثبتا الشمال لله.
قال ابن خزيمة: ونحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، وما بينهما من صغير وكبير لا يخفى على خالقنا خافية في السماوات السبع والأرضين السبع، ولا ما بينهما ولا فوقهن ولا أسفل منهن، لا يغيب عن بصره من ذلك شيء، يرى ما في جوف البحار كما يرى عرشه الذي هو مستو عليه، وبنو آدم وإن كانت لهم عيون يبصرون بها فإنهم إنما يرون ما قرب من أبصارهم، مما لا حجاب ولا ستر بين المرء وبين أبصارهم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.