للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[شبهة أهل البدع في نفي صفة الرجل عن الله والرد عليهم]

إن أهل البدع لم يرضوا أن يثبتوا لله رجْلاً، وقالوا: إذا قلت: إن لله رجْلاً فقد وصفت الله بما وصفت به المخلوق، وأنزلت الخالق منزلة الخلق، وقالوا: الرجل هنا بمعنى الطائفة من المستحقين للنار، يعني: يضع الطائفة التي استحقت النار في نار جهنم، قالوا: وعندنا في ذلك مسوغ من اللغة؛ حتى لا تتهمونا بالزندقة، قلنا: ما هو المسوغ من اللغة؟ قالوا: حديث في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أيوب بعدما عافاه الله جل وعلا مما فيه من ضر وبلاء كان يغتسل عرياناً، فنزل عليه رجْل جراد من ذهب)، ورجل هنا بمعنى طائفة جراد من ذهب، ثم قال: (فجعل يحثو منها، فقال الله له: ألم أكن قد أغنيتك؟ فيقول: لا غنى لي عن بركتك).

فالشاهد من هذا أنه قال: (رجْل جراد من ذهب) يعني: طائفة جراد من ذهب، فتكون المعنى هنا: طائفة من الذين استحقوا النار، وهذا قول الأشاعرة.

ونرد عليهم فنقول: هذا التأويل باطل من وجوه: الوجه الأول: أن هذا خلاف الظاهر، والقاعدة التي قعدها العلماء: أن الأصل في اللفظ أن يبقى على ظاهره إلا أن تأتي قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، فالظاهر في الرجْل أنها الرجلُ المعلومة في المعنى، والكيف مجهول.

الأمر الثاني: أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (فيضع رجْله عليها) أي: يضع الله رجله عليها، والطائفة التي تنزل في النار هم فيها لا عليها، فيأبى هذا اللفظ أن يكون المراد ما قالوه.

الوجه الثالث: أن المضاف إلى الله عموماً إما أن يكون من باب إضافة الأعيان أو إضافة المعان، وهو سبحانه قد أضاف الرجْل إليه، ولو تنزلنا معهم وقلنا: إن الإضافة إلى الله هنا إضافة تشريف، لكان أهل النار أفضل تشريفاً وأفضل عظمة وتكريماً من المؤمنين، وهذا من أبطل الباطل؛ لأن أهل النار ليس لهم إلا التوبيخ والتقريع والنكال.

<<  <  ج: ص:  >  >>