للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صفة الضحك لله عز وجل]

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:١٠٢].

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء:١].

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:٧٠ - ٧١].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد: قال المصنف رحمه الله: [عن الأسود بن عبد الله عن عمه لقيط بن عامر أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق، قال: فقدمنا المدينة لانسلاخ رجب، فصلينا معه صلاة الغداة، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس خطيباً فقال: (ألا أيها الناس! إني قد خبأت لكم صوتي منذ أربعة أيام ألا لأسمعكم، ألا فهل من امرئ بعثه قومه فقالوا: اعلم لنا ما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا ثم لعله أن يلهيه حديث نفسه أو حديث صاحبه أو يلهيه الضلال، ألا إني مسئول هل بلغت، ألا فاسمعوا تعيشوا، ألا اجلسوا ألا اجلسوا، قال: فجلس الناس وقمت أنا وصاحبي، حتى إذا فرغ لنا فؤاده وبصره قلت: إني سائلك عن حاجتي فلا تعجلن علي، قال: سل عما شئت، قلت: يا رسول الله! هل عندك من علم الغيب؟ فضحك -لعمر الله- وهز رأسه، وعلم أني أبتغي بسقطه، وقال: ضن ربك بمفاتيح خمس من الغيب لا يعلمهن إلا الله، وأشار بيده، فقلت: ما هن يا رسول الله؟! قال: علم المنية، قد علم متى منية أحدكم ولا تعلمونه، وعلم المني حين يكون في الرحم قد علمه ولا تعلمونه، وعلم ما في غد وما أنت طاعم غداً ولا تعلمه، وعلم اليوم الغيث يشرف عليكم آزلين مشفقين، فيظل يضحك وقد علم أن غوثكم قريب -يقصد بذلك المطر- لا يعلمه إلا الله جل وعلا، فقلت: يا رسول الله! لن نعدم من رب يضحك خيراً).

].

في هذا الحديث فوائد كثيرة منها: أن من السنة أن يعلو صوت الخطيب، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام خطيباً علا صوته كأنه منذر جيش، وكثير من الناس يتضجر من ارتفاع صوت الخطيب، والسنة التي ضاعت وأميتت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام خطيباً في الناس علا صوته، واحمر وجهه، وظهر ذلك على حالته صلى الله عليه وسلم.

ومنها: آداب السائل، وأن الذي يسأل عن أمر مهم لا بد أن يفرغ ذهن المسئول وقلبه، فلذلك كان من العقل الذي عند هؤلاء أنهم جلسوا حتى يفرغ فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم وبصره، فيسألونه عن المهمات.

وقد ذكرت في هذا الحديث صفة من صفات الله جل في علاه، وهي من صفات الأفعال، وهي صفة الضحك، فيا خسارة الذين لا يؤمنون بهذه الصفات، والذين يجهلون عن الله الكثير، فإن الله عز وجل يضحك ولن نعدم من رب يضحك خيراً.

فإذا كان مديرك في العمل في كل يوم يسلم عليك ويهش ويبش في وجهك، فسوف تنتظر منه كل خير؛ لأنه كلما رآك ابتسم في وجهك وسألك عن حالك.

فهذا مثال، ولله المثل الأعلى.

وكما يصف الواصفون النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتبسم دائماً في وجه من يسلم عليه، وإذا سلم على إنسان -كما في الأحاديث الصحيحة- لم يكن ينزع يده حتى ينزع الآخر من يده صلى، وإذا تكلم معه لم يكن يبعد أذنه عنه حتى يسكت، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بآثار صفات الله جل وعلا، فإن الله يضحك ضحكاً يليق بجلاله وكماله وعظمته وقدرته سبحانه وتعالى.

فهذه صفة من صفات الأفعال التي تتعلق بالمشيئة، فإن شاء فعل، وإن شاء لم يفعل، فإن شاء ضحك وإن شاء لم يضحك، فهي تتعلق بالأسباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>