[أنواع الكبر]
إن الكبر أنواع، فمنه الكبر على الله نعوذ بالله من غضبه، وهذا كفر بالله، والكبر على رسول الله والعياذ بالله، والكبر على عباد الله.
فالكبر على الله كفر, والكبر على رسول الله كفر, فالكبر على الله قد يكون كبراً على ربوبية الله جل في علاه، وذلك بعدم الانصياع لله جل وعلا, وعدم الإيمان بربوبية الله جل في علاه, وهذا ما فعله الخبيث فرعون فقال: {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} [النازعات:٢٤] ولم يرتضِ بربوبية الله جل في علاه, والأخبث منه النمرود الذي قال: {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} [البقرة:٢٥٨]، فهذا ينازع الله في ربوبيته والعياذ بالله, فهذا كبر على الله في ربوبيته والعياذ بالله.
والكبر الثاني: الكبر على إلهية الله جل في علاه، وهذا حصل من أهل مكة، فقد تكبروا على إلهية الله جل في علاه, وقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، وكان أحدهم يأخذ حفنة من التراب ويضعها على رأسه، ويقول: يكفيني هذا، ولا يسجد لله تذللاً ولا خضوعاً، وهذا كبر على إلهية الله جل في علاه وعلى التعبد والتذلل والخضوع والمسكنة لربهم جل في علاه, وهم مقرون بالربوبية، فالكبر هنا: كبر في الإلهية وكبر على شرع الله، مع أن توحيد الإلهية من لوازم توحيد الربوبية, وإمام هذه الطائفة هو إبليس عندما رد الأمر على ربه جل في علاه حين أمره أن يسجد {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} [الأعراف:١٢]، فقال الله تعالى: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} [الأعراف:١٣]، {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء:٦٢].
فهو -والعياذ بالله- يقدح في أمر الله وحكمة الله، ويقول: ليس من الحكمة أن تفضل هذا الذي خلق من طين عليّ، فهذا كبر على أوامر الله وشرعه.
ومن ذلك ما قاله ذاك الخليع الخبيث المفتون المأفون الذي قال: هذه الآية لا بد أن تشطب، يعني قول الله تعالى: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١١]، فأراد أن يشطبها من كتاب الله جل في علاه، ثم تأتي امرأة هذا الرجل وتقول: إنه يقوم الليل ويصوم النهار، فهذا الرجل كافر مرتد عن دين الله جل في علاه؛ لأنه رد الأمر على الله، وقال: لا يصح أن نفضل الرجل على المرأة , فالرجل والمرأة سواء، والله جل وعلا يقول: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤] بل إن العقل الرجيح يقبل ذلك, والقاعدة عند العلماء: الغنم بالغرم والخراج بالضمان, فهذا عدل السماء ولكن هؤلاء الأغبياء السفهاء بله لا يفقهون شيئاً، وهم يعاندون دين الله جل وعلا للمعاندة وللشهرة فقط, فيركبون موجة محاربة الإسلام, فهذا أيضاً كفر وكبر على أوامر وشرع الله جل وعلا، وهي من لوازم ربوبية الله.
والكبر على رسول الله يكون برد أوامر رسول الله، وعدم الانصياع لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وضرب سنة النبي صلى الله عليه وسلم عرض الحائط والأخذ بقول فقيه, ولله در من قال: العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه.
وبعضهم يقول: إن عقله يقدم على النص, فنعرض الأحاديث على عقولنا فإن قبلتها العقول أخذنا بها، وإلا رددناها، ووالله إن الذين يقولون: نعرضها على كتاب الله فما وافق كتاب الله أخذنا به، لهم خير من هؤلاء لأن هؤلاء يعرضون الأحاديث على عقولهم الخربة، وطبعاً الأمثلة في ذلك كثيرة، فقد ردوا حديث الذباب وهو حديث رواه أبو داود بسند صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه؛ فإن في أحد جناحيه داء وفي الجناح الثاني الدواء)، وقال في رواية أخرى أوضح من ذلك: (ويتقي بالذي فيه الداء) يعني: أنه أول ما ينزل فإنه يتقي بالجناح الذي فيه الداء، فأنت لو لم تغمسه فسيقع عليك الضر؛ وبعضهم يقول: كيف نعرف ذلك فلعله نزل بالجناح الذي فيه الدواء؟ فنقول: إن السنة قد جاءت مفسرة لكل شيء, قال النبي صلى الله عليه وسلم (وإنه ليتقي بالجناح الذي فيه الداء)، فلا بد أن تغمسه حتى يأخذ الجناح الذي فيه الدواء الداء.
ومع ذلك جاء عالم ألماني كافر وبين لهؤلاء المسلمين الذين يردون دين الله ويردون سنة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أبحاث كثيرة أن الذباب في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهم من رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم في أنه تزوج عائشة وهي بنت ست سنين ودخل بها وهي بنت تسع، فيقول أحدهم: أنا عندي عقل أفكر به، فلا يمكن أن النبي صلى الله عليه وسلم يكون قد تزوجها حتى إن روى ذلك البخاري، وهذا الحديث في البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة، وهذه الأسانيد كالشمس وهو يردها؛ لأن عقله لم يقبل هذه الأحاديث.
وهناك رجل آخر -وقد مات رحمة الله عليه وغفر زلاته وما من أحد إلا وقد زل والله غفور رحيم, لكن نحن نبين أخطاءه- رد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن جبريل شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم وأخرج من قلبه حض الشيطان، وملأه علماً وحكمة)، فيقول: لا لم يشق صدره ولو شقه فإنه سيموت، مع أنه لو قيل له: إن الطبيب الفلاني الماهر أجرى ستين عملية قلب، وسبعين عملية كلى وثلاثين عملية شرايين ونجح فيها، فإنه يصدق بهذا، فهذا الطبيب عنده مهارة وجبريل عليه السلام ليس عنده مهارة، أي فقه هذا لهؤلاء القوم؟!! إن جبريل عليه السلام مأمور من الله جل في علاه، والله جل في علاه إذا أراد شيئاً قال له: كن فيكون.
فيرد حديث الشق لأن عقله لا يقبله.
وأيضاً رد قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، قال: إن البخاري لو رأى تاتشر ما روى هذا الكلام!! فنقول لهذا وأمثاله: سمعنا وأطعنا، ووالله ما علت امرأة عرشاً أبداً إلا وأتت به على دابره، وأتى الله بقومها على دابرهم, فالمرأة ضعيفة {أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ} [الزخرف:١٨]، فمن الأبله السفيه الذي يجعل زمام أمره في يد امرأة؟ فالمرأة إذا جاعت فإنها تبكي كالأطفال، وإذا رأت قتالاً ذهب الوعي عنها، فهي لا تستطيع شيئاً، وما عندها إلا المكياج وحلاوة نفسها وجمال زينتها، وإن كنا لا نقدح في عقلها ولا في أمومتها ولا في مكانتها، لكن لا يمكن أن تصدر امرأة عليك أبداً، ووالله ليس من الرجولة ولا من الشهامة ولا من المروءة ولا من الشرع أولاً أن تقدم المرأة عليك.
وبعض أصحاب الفضائيات يقول: إن المرأة كانت محدثة، فمن أين أخذتم العلم أليس من عائشة رضي الله عنها وأرضاها؟ قلنا: نعم، قد تكون المرأة محدثة وقد تكون حافظة وصاحبة أسانيد، بل كان ابن حجر رحمة الله عليه يجلس في مجلس الإملاء ثم بعد ذلك يأتي بامرأته من خلف الستار تملي على طلبة العلم, وهناك نساء كثيرات كن يحفظن علم رسول صلى الله عليه وسلم, لكن أن تقول: إن المرأة تتولى أمر الرجال، وتتولى القضاء فهذا غير صحيح، وجمهور أهل العلم من الأئمة الأربعة وغيرهم يقولون: إنه لا يجوز بحال من الأحوال أن تتقلد المرأة القضاء, وذهب الطبري أو ابن حزم إلى أنه يجوز للمرأة أن تتولى القضاء، واستدل بتحديث عائشة وغيرها.
ونحن نقول: إن الأدلة قاطعة باهرة للعقول في عدم جواز ذلك لقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء:٣٤]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، وأتوني بقاضية على مر العصور وكر الدهور في الخلافة الإسلامية، أو حتى في أيام الخلافة عندما وهنت وضعفت، فلابد للإنسان أن يقول: آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول على مراد رسول الله.
الكبر الثالث: الكبر على عباد الله، وهذا أخس لأنه ليس بكفر لكنه نذير شؤم وهو يؤذن بهلكة المتكبر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تخاصمت الجنة والنار، فقالت النار: ما لي يدخلني المتجبرون والمتكبرون)، فأصحاب النار هم المتكبرون.
وكتب الله الذل في الدنيا والآخرة على كل متكبر، فأما في الدنيا: فإن الله لا يمكن أن يرفع رجلاً تكبر ونازعه في ربوبيته، فالله يضرب عليه الذل والصغار في الدنيا قبل الآخرة, وفي الآخرة يفضحه على رءوس الخلائق كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يحشر المتكبرون يوم القيامة كأمثال الذر على صورة رجال يغشاهم الذل من كل مكان) نعوذ بالله من التكبر.
وقد رأى ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه رجلاً يمشي متبختراً فقال: إن هذا من إخوان الشياطين؛ لأن الشيطان هو الذي يمشي في الأرض مرحاً.
وعقاب المتكبر العذاب الأليم، والله جل وعلا لا يحب المتكبرين فكفى بهذه مذمة، وكفى بها عقوبة.
والمتكبر ينازع الله في ربوبيته, فكيف يفعل الله جل وعلا فيمن ينازعه في ربوبيته؟ جاء في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: قال الله تعالى: (الكبر ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني في واحد منهما ألقيته في النار) , وأيضاً في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه