للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عقيدة أهل البدع في صفة الغضب والرد عليهم]

إن أهل البدعة والضلالة ألحدوا في هذه الصفة، ولم يتعبدوا لله بها، لذلك تراهم يحارون، مع أنهم لو اعتقدوا الاعتقاد الصحيح أن الله له الجلال والكمال، لما تعبوا ولا أتعبوا الناس، ولآمنوا بهذه الصفة، لكن حيرهم الشيطان فاحتاروا وضاعوا وضلوا وأضلوا، فقالوا: إن الله لا يغضب؛ لأنه لو غضب لكان له قلب يتغير ووجه يتمعر، والإنسان إذا غضب تغير قلبه وتمعر وجهه، فلو قلنا: إن الله يغضب فقد شبهنا الخالق بالمخلوق.

وقد انقسموا إلى طوائف، فمنهم من قال: لم يغضب الله أبداً، والغضب لا ينسب إلى الله، ومنهم من قال: الغضب ينسب إلى الله، لكن معناه الانتقام، فحرفوا معنى الغضب إلى الانتقام، فبدل أن يقولوا: إن الغضب صفة من صفات الله تعالى قالوا: هو الانتقام.

والرد عليهم: أولاً: نقول: نحن نستيقن في ربنا أنه يغضب غضباً له كيفية يعلمها هو ونجهلها، فنحن نفوض الكيفية لربنا، وإذا سألنا سائل وقال: هل يغضب ربنا؟ نقول: نعم نؤمن برب يغضب، فإن قال: كيف يغضب ربنا؟ نقول: الغضب في اللغة معلوم، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، والكيف مجهول، وهوعند الله لا نعلمه، فالله يغضب بكيفية تليق بحلاله وبكماله، أما قولكم: بأن الله إذا غضب يكون كالبشر، فالجواب أن هناك قاعدة مهمة لا بد من ضبطها وهي: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى، فقولنا: يغضب الله ويغضب محمد استويا واشتركا في الاسم، وهذا الاشتراك لا يستلزم التساوي في المسمى؛ فإن غضب الله يليق بجلاله وكماله وعظمته، وغضب محمد أو غضب زيد هو غضب يليق بعجزه ونقصه وفقره.

ولا مقارنة بين الغضبين، حاشا لله، فإن غضب الله يليق بجلال الله وكمال الله جل في علاه، وقد أثبت لعبده الغضب وأثبت لنفسه الغضب، وما لنا لا نثبت ما أثبته الله لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم.

أما الذين قالوا: إن الغضب هو الانتقام فهؤلاء هجموا على شرع الله وهدموا المعاني؛ فالله يكلمنا باللغة العربية بلسان عربي مبين، وبلغة نفهمها ونعقلها، وحاشا لله أن ينزل علينا قرآناً لا نعقله ولا نفهمه ولا نتدبره، فالله جل وعلا أنزل علينا القرآن لنتدبر ولنعقل، وما أنزل علينا القرآن لنتخبط ونفهم خلاف ما يريده منا، فهو أخبرنا أنه يغضب، وأيضاً الرسول صلى الله عليه وسلم وكله الله بمهمة عالية بعد التبليغ وهي البيان، فكان على الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين إن كان الغضب هو الانتقام ويقول: إن قول الله: ((غضب الله عليه)) معناه: انتقم الله منه، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك، وقد قال الله له: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة:٦٧]؛ وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل:٨٩] وقال: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل:٤٤].

إذاً: هذا اتهام صريح بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد فرط وقصر؛ لأنه لم يبين لنا أن الغضب معناه الانتقام، وهذا الاعتقاد منقصة في حقكم؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بلغ وبين أتم البلاغ وأتم البيان.

ثانياً: أنتم خالفتم الكتاب وخالفتم السنة وخالفتم إجماع الأمة على أن الغضب صفة من صفات الله.

ثالثاً: الانتقام لازم من لوازم الغضب، إذ لو غضب الله فإنه يلزم من غضبه أن ينتقم ممن غضب منه، وأنتم آمنتم بأن الله له انتقام ونحن آمنا بأن الله له انتقام، لكن قبلها أثبتنا أن له غضباً يلزم منه الانتقام من المغضوب عليهم، وهنيئاً لمن يقرأ كل يوم في الخمس الصلوات: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] فيستلزم ذلك أن الله سينتقم من المغضوب عليهم؛ لأن الله إذا غضب على عبد انتقم منه سبحانه جل في علاه، فنحن نثبت لله صفة الغضب، وأيضاً نثبت لازم الصفة وهو الانتقام.

<<  <  ج: ص:  >  >>