[الرد على أهل البدع في تحريف صفة النفس لله تعالى]
نحن نعتقد أن صفة النفس صفة كمال وجلال لله جل وعلا، ونثبتها لله بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، ونعلم أن لها كيفية، لكن لا نعلم هذه الكيفية.
وفي الرد على أهل البدع الذين قالوا: هي إضافة مخلوق إلى خالق نقول: أولاً: توضيح الإضافة: المضاف إلى الله نوعان: أعيان قائمة بذاتها ومعاني.
الأعيان القائمة بذاتها إذا أضيفت إلى الله هي إضافة مخلوق إلى خالق، وهذه الإضافة تسمى إضافة تشريف، كعيسى، وعيسى عين قائمة بذاتها، والكعبة عين قائمة بذاتها، والناقة عين قائمة بذاتها، فالأعيان القائمة بذواتها إضافتها إلى الخالق إضافة تشريف، تقول: عيسى روح الله، روح خلقها الله جل وعلا، وناقة الله، أي: ناقة خلقها الله جل وعلا، انفلقت الصخرة وخرجت الناقة لتكون معجزة من المعجزات.
إضافة المعاني إلى الله إضافة صفة إلى موصوف، كأن تقول: رحمة الله، كرم الله، أمام البشر حتى يؤمنوا بها.
وقوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون َ} [الصافات:١٨٠] العزة هنا ليست عيناً قائمة، وإنما صفة معنى، فإضافة المعاني إلى الخالق هي إضافة صفة إلى الموصوف.
إذاً: الإضافة لله إضافتان: إضافة أعيان فهي مضافة إلى الخالق للتشريف، وإضافة معان، وهي إضافة صفة للموصوف، وإذا نظرنا إلى النفس فالنفس هي معنى من المعاني أضيفت إلى الخالق، وتساوي صفة أضيفت إلى الموصوف، فنرد عليهم بهذا ونقول: إن النفس معنى من المعاني أضيفت إلى الخالق فإضافتها إضافة صفة إلى الموصوف.
ونرد عليهم بثلاثة وجوه: الوجه الأول: أن الله جل وعلا قد أثبت لنفسه النفس وأن رسوله قد أثبت له النفس، أي: أثبت هذه الصفة الخبرية، فكيف تنفون عن الله جل وعلا ما أثبته لنفسه؟ ليس لكم إلى ذلك سبيل إلا أن تجحدوا قول الله وقول النبي صلى الله عليه وسلم.
والوجه الثاني: أن ظاهر القرآن وظاهر السنة يثبت لله صفة خبرية وهي صفة النفس، وأنتم خالفتم بقولكم: إنها مخلوقة ظاهر القرآن وخالفهم ظاهر السنة، وقد أجمع السلف على إثبات النفس لله جل وعلا صفة خبرية، وقد خالفتم هذا الإجماع.
الوجه الثالث: إن ادعاءكم بأن هذه الصفة إضافة مخلوق للخالق، لو قلنا بقولكم يلزمنا لوازم باطلة، والقاعدة: أنه إذا بطل اللازم بطل الملزوم، فننظر إلى اللوازم الباطلة: قال الله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١]، الله جل وعلا اصطنع موسى وخلقه ليؤدي رسالته جل وعلا، وليعبد الناس ربهم جل وعلا، وليجعل الناس يوحدوا الله توحيداً تاماً خالصاً من كل شرك، فإذا قلنا بقولكم فسيكون معنى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١] يعني: اصطنعتك لغيري، فمعنى ذلك: أن موسى يجعل الناس يعبدون غير الله! وهذا لا يقوله إلا كافر، وهذا كفر مبين، والله جل وعلا يقول: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:٧٩]، فكيف يذهب موسى يعبد الناس لغير الله جل وعلا؟! هذا أول لازم باطل وهذا كفر مبين واضح جداً.
الثاني: قول الله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤] يعني: أن الله جل وعلا يغفر لمن أساء، فالرحمة يستلزم منها أن الله سيغفر لكم الذنوب، من أذنب وتاب وأناب فإن الذي سيغفر هو الله جل وعلا، فاللازم الباطل على قول الجمهية: كتب ربكم على غيره الرحمة، إذاً: غير الله جل وعلا هو الذي سيغفر هذا الذنب، فينيب العبد لغير الله جل وعلا، فأنتم ضاهيتم النصارى الذين يقولون بصكوك الغفران، تدخل المرأة الزانية ويدخل الرجل الزاني إلى القس فيعطيهما صك الغفران، ولا ينيبان إلى الله جل وعلا الذي يتوب على العصاة، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن المذنب الذي يستغفر ربه أن الله جل وعلا عندما يقول العبد: رب قد أذنبت ذنباً فاغفر لي، فيقول الله جل وعلا-وهذا هو الشاهد-: (عبدي علم أن له رباً يأخذ بالذنب ويغفره، فاشهدوا أني قد غفرت له).
إذاً: الرحمة والمغفرة لله جل وعلا ليست لغيره.
وهذه من اللوازم الباطلة التي تجعلنا نرد قولهم على وجوههم.
فقوله تعالى: {وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي} [طه:٤١] أي: لنفس الله جل وعلا.
وقوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:٥٤] أي: على نفسه جل وعلا.