للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإجماع والأدلة العقلية على إثبات صفة العلم لله]

كذلك الإجماع: أجمعت الصحابة على أن لله علماً ثابتاً بالكتاب والسنة، وهذا العلم أزلي وهي صفة ثبوتية، والعقل يدرك هذه الأشياء، وهذا الكون إنما وجد بإرادة، وهذه الإرادة تستلزم العلم، وبالمثال يتضح المقال، لو أردت شراء سيارة أحدث موديل وقلت: أنا لا أريد إلا هذه السيارة، فإرادتك لهذه السيارة تنبئ بأنك تعلم تفاصيلها وتعلم عنها كل شيء، وتعلم مميزاتها وعيوبها، فهذه الإرادة تنجم عن علم ومعرفة.

ولما أراد الله خلق هذا الكون العظيم المبدع فهذا نابع عن علم، وأيضاً إتقان هذه الصنعة كهذه الجبال والأنهار والسماوات والشمس تجري لمستقر لها، والقمر يكون في الليل، والشمس يكون نهاراً وتغرب الشمس وتذهب تسجد تحت العرش، فكل هذا الإتقان يدل أنه نابع من عليم قدير.

فالعقل يؤكد هذه الصفة، فنثبت لله جل وعلا صفة العلم على أنها صفة ثبوتية أزلية، وأن الله أحاط بكل شيء علماً، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، يرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، لا تواري عنه سماء سماءً ولا أرض أرضاً ولا بحر ما في قعره، ولا جبل ما في وعره؛ فإن الله جلا وعلا قد أحاط بكل شيء علماً، قال الله تعالى: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:١٢]، و (شيء) هنا نكرة في سياق الإتيان تعم كل شيء دقيق وجليل يعلمه الله جلا وعلا، يعلم ما تحمل كل أنثى، وما تغيظ الأرحام وما تزداد.

وقد قص الله على نبينا صلى الله عليه وسلم أخباراً لا يعرفها ولا درسها ولا تعلمها، وكانت معجزة من المعجزات التي كانت بين يديه، وقص الله عليه قصة يوسف عليه السلام وما حدث معه في غيابة الجب من الاضطرار الذي صبره، وما حدث له مع هذه المرأة التي دعته إلى الزنا فصبر عليها صبراً اختيارياً فضلاً منه صلى الله عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى السلام.

كذلك قص عليه قصة آدم وأنه أمر إبليس أن يسجد له فأبى واستكبر وكان من الكافرين، وقص عليه قصة إبراهيم عليه السلام، فعلم بما كان، ونحن الآن نعلمه من علم الله جلا وعلا، ويعلم سبحانه ما يقع في المستقبل، ونحن ننتظر أن يقع علم ما سيكون الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم قال تعالى: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ} [الفتح:٢٧]، فهذا حدث.

كذلك قال الله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر:٤٥]، وقال: {الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ} [الروم:١ - ٣]، ولذلك أبو بكر قام خطيباً في أهل مكة وراهنهم على انتصار الروم، وهذا الرهان هو الرهان الصحيح، يعني: المقامرة هنا مقامرة صحيحة شرعاً، وإن كان الأصل في المقامرة المحرمة، لكنها هنا تصح؛ لأنها على يقين، لو راهن أحدٌ أحداً على أمر ليس فيه ضرب من المخاطرة يصح، ولذلك كان أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه على يقين من أن الروم ستغلب لأنه وحي من الله جل وعلا فراهنهم على ذلك وكسب الرهان حلالاً له.

وأخبرنا صلى الله عليه وسلم بما سيكون وما زلنا ننتظر ما يقع كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يخرج من بعدي دجالون ثلاثون يدعون النبوة) فمنهم من ظهر وحتى الآن لم يكتملوا الثلاثين.

كذلك قال صلى الله عليه وسلم: (بين يدي الساعة سنوات خداعة يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون الأمين).

إلى آخر الحديث.

كذلك أخبرنا عن الدجال وما يحدث معه، وما أعطاه الله جل وعلا من صفات الربوبية ليختبر به إيمان العباد ابتلاءً وفتنة.