للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قواعد في الأسماء والصفات]

هنا قواعد مهمة تضبط لنا هذه الأسماء: أولها: كل هذه الأسماء حسنى؛ لأنها تتضمن صفات كمال، وباب الأسماء أضيق من باب الصفات، وباب الصفات أوسع؛ لأن كل اسم يحمل صفة ولا عكس، فليست كل صفة تحمل اسماً، فالعزيز يتضمن صفة العزة، والرءوف يتضمن صفة الرأفة، وهكذا الكريم والرحيم والرحمن، وأما الصفات فلا تستطيع أن تشتق من كل صفة اسماً، قال الله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فصفة الاستواء لا نستطيع أن نشتق منها اسماً وهو المستوى، وهذا يدلك على أن باب الأسماء أضيق من باب الصفات.

ثانيها: أسماء الله لا تنحصر، فهي كثيرة وعديدة ولا تنحصر في عدد، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو علمته أحداً من خلقك).

إذاً: فهناك بعض الخلق يعلمون من أسماء لله ما لا يعرفها الآخرون.

ثم قال: (أو أنزلته في كتابك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهناك أسماء لله كثيرة يعلمها الله ولا يعلمها أحد من خلقه، فهذه دلالة على أن أسماء الله كثيرة جداً وليست محصورة بعدد.

وأيضاً حديث النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة العظمى وفيه: أن آدم يقول: اذهبوا إلى نوح، اذهبوا إلى إبراهيم، اذهبوا إلى موسى، حتى تحال إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (أنا لها أنا لها، فيذهب تحت العرش فيسجد يقول: فيعلمني الله جل وعلا محامد أحمده بها) أي: محامد الآن تعلمتها، والحمد ثناء على الله جل وعلا بما هو أهل له، فيثني على الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا، إذاً: ففيها أسماء لا يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم إلا عندما يسجد عند العرش، ويدلك ذلك على أن أسماء الله لا تنحصر.

ولا يشكل علينا حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)، فالإجابة يسيرة جداً وهي: أن هذه الأسماء التسعة والتسعين لها ميزة خاصة عن بقية الأسماء كلها، وهذه الميزة هي: (من أحصاها دخل الجنة)، ومعنى أحصاها أي: حفظها عن ظهر قلب، وتعبد بها لله، يعني: ما يتوسل إلا بها، فقد حفظ اسم الكريم فيقول: يا كريم! أكرمني برضاك عني، وحفظ اسم القدير فيقول: يا قدير! أنجني من الظالمين، يا عزيز أعزني بطاعتك، فيتعبد لله بهذه الأسماء.

وأيضاً أن يتخلق بآثار هذه الصفات، فالله جل وعلا رءوف يحب كل رءوف، وكريم يحب كل كريم، فأنت من تعبدك لله بالاسم أو بالصفة أن تتخلق بأثر هذا الاسم، فاسم الله الكريم فأنت تكون كريماً، واسم الله العفو، فهو عند المقدرة يعفو، فأنت إن كنت قادراً على ظالم فاعف عنه إلا أن يكون في هذه مساءة، أو يكون هذا فيه زيادة كبر لهم، وإن كنت تعلم أن الله عزيز فاعتز أنت بطاعته، وتخلق بآثار هذه الصفات.

فالتسعة والتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة، فهذه هي الميزة لها، ولا يخفى علينا أن لله أسماء كثيرة كما في هذه الأحاديث.

وقبل أن ننتقل إلى الكلام في الصفات أضبط لطالب العلم قاعدة مهمة جداً وهي: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم الاشتراك في المسمى، فإذا قلت: الله الرحيم، أو الله الكريم، وسمي أحد الناس كريماً، فهذا الاشتراك هو بالنسبة للاسم والصفة، وهو لا يدل على الاستواء، فكرم الله جل وعلا فيه الكمال المطلق، وكرم هذا المخلوق ناقص ولو كان كرمه ككرم حاتم الطائي.

وأيضاً قال الله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] فالله له يد، والإنسان له يد، فاشتركا في الاسم، فهذه يد وهذه يد، لكن لا يلزم من ذلك أن تتساوى يد الله ويد المخلوق أبداً، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١].