للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحريم التشبيه والتمثيل في صفات الله تعالى]

طريقة السلف هي أحكم وأعلم، لا على كلام أهل البدع، وهم يثبتون الصفة بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف، أي صفة جاءت عن الرب جل وعلا يثبتونها كما جاءت بظاهر الدلالة بلا تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه.

التمثيل معناه: أن يعتقد المرء صفة لله وهي مماثلة لصفة المخلوق بالمطابقة، دون أدنى فرق، كأن يجعل اليد اليمنى إذا جاءت على اليسرى مطابقة لها، دون أدنى فرق، تقول الكف الأيمن يماثل الكف الأيسر، فالمشبه يعتقد أن صفة الله جل وعلا في الاستواء على العرش، هي الاستقرار على سرير الملك، فيماثل هذه الصفة بصفة المخلوق، أو يقول يد الله مثل يد المخلوق دون أدنى فرق، هذا معنى التمثيل، فالتمثيل: المطابقة في كلية الصفة.

أما التشبيه فهو كالتمثيل لكنه أقل درجة منه، فهو تشبيه بأكثر الصفة، لا بكل الصفة، فالمطابقة في التماثل والأغلبية في التشبيه.

إذاً: لا مطابقة في التشبيه، فالتمثيل مطابقة، وأما التشبيه في الأكثرية والأغلب.

أما التكييف: فهو أن يثبت لله صفة ويكيف هذه الصفة ويتخيل لها صورة دون أن يقدر لها مماثلاً، كأن يقول: يد الله جل وعلا لها كيفية كذا وأصابع كذا أو أنامل كذا، فيكيف له كيفية دون أن يقدر ويماثل، هذا معنى التكييف.

والسلف بطريقتهم الأحكم والأعلم يثبتون لله الصفة بلا تمثيل، يد الله لا تماثل يد البشر، ودون تشبيه، استواء الله على العرش لا يشابه استواء البشر على سرير الملك، ودون تكييف يقولون: إن هذه صفة، لكن لا نعلمها والله يعلمها، ويدل على ذلك الأثر والنظر، أما من الأثر فلنفي المماثلة قال الله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فأثبت لنفسه صفات وأخبر بنفي المماثلة، وهذا الخبر يتضمن عدم المماثلة، يعني: ينهاكم أن تماثلوا صفاته بصفات المخلوق.

وقال الله تعالى مصرحاً بالنهي: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤].

إذاً: نثبت الصفة {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، دون المماثلة {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، و {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:٧٤] هذا من الأثر.

ومن النظر أيضاً ننفي المماثلة والمشابهة، فإن لله ذاتاً -حتى عند أهل البدع- لا تشبه ولا تماثل ذات المخلوق، فنقول لهم: الذات أصل والصفة فرع، وحكم الأصل ينتقل إلى حكم الفرع، والصفة تابعة للموصوف، والقول في الصفات كالقول في الذات، وأنتم توافقون وتقولون: لله ذات لا تماثل ذات المخلوق، إذاً: هذا أصل والفرع عليه الصفة، فقولوا مثلما قلتم في الذات: لله صفات لا تماثل صفات المخلوق، إذاً: ألزمناهم نحن بما أقروا به، هذا الدليل الأول بالنظر.

الدليل الثاني نظراً: أننا إذا قلنا بأن صفات الخالق تماثل صفات المخلوق لازم ذلك أننا نثبت لله النقص، إذ إن صفات المخلوق لازمها يعتريه النقص، والأصل في المخلوق الجهل والنقص، فلو ماثلنا صفات الخالق بصفات المخلوق يلزمنا أن ننسب النقص لله جل وعلا، وقد نزه الله جل وعلا نفسه عن ذلك، ونزهه رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: التمثيل والتشبيه منفي، لا يجوز ويحرم أثراً ونظراً.