[الشفاعة الخاصة]
الشفاعة الخاصة: هي التي تختص برسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه لا يشارك رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها أحد أبداً، وإنما خصها الله برسوله صلى الله عليه وسلم كرامة له، وإظهاراً لحبه، ورفعة له يوم القيامة، وهذا هو المقام المحمود الذي وعد الله له رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهي أنواع ثلاثة: أعظمها: شفاعة الموقف، عندما يشتد الكرب ويزلزل الناس زلزالاً شديداً، في يوم: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢] حينها يقول الناس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: (نذهب إلى آدم، فآدم أبو البشر خلقه الله بيده، ونفخ فيه من روحه، فله الكرامة عند الله حتى يفصل بيننا، فيذهبون إلى آدم فيقول: لست لها، قد أكلت من الشجرة ونهاني ربي عنها، لكن اذهبوا إلى نوح فهو أول رسول إلى البشرية، فيذهبون إلى نوح فيقول: لست لها، قد سألت الله ما ليس لي به علم، لكن اذهبوا إلى إبراهيم أبي الأنبياء، فيذهبون إلى إبراهيم فيقول إبراهيم عليه السلام: لست لها، قد كذبت ثلاث كذبات، لكن اذهبوا إلى موسى كليم الله، اصطفاه الله جل وعلا برسالاته وبكلامه، فيذهبون إلى موسى فيقول موسى عليه السلام: لست لها، وفي كل مرة يقولون: ألا ترى ما ألم بنا؟! ألا ترى ما نحن فيه من كرب؟! ألا ترى ما نحن فيه من الشدة؟ وكل رسول يقول: لست لها، فموسى يقول: اذهبوا إلى عيسى روح الله، فيذهبون إلى عيسى فيقول: لست لها، اذهبوا إلى محمد، عبد غفر الله له ما تقدم وما تأخر، فيذهبون إلى رسول الله فيقول: أنا لها، أنا لها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فأستأذن على ربي فأذهب إلى تحت العرش فأخر ساجداً).
وهذه كرامة وشرف له صلى الله عليه وسلم، فقد أذن الله له فقام أمام الخلق أجمعين؛ ليظهر الله جل وعلا كرامته بأن قبله شفيعاً، فيذهب فيخر تحت العرش ساجداً لله.
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (فأحمد الله جل في علاه بمحامد لم أكن أعلمها أعلمنيها ربي، وأثني عليه، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك وسل تعط، واشفع تشفع، فيشفع محمد صلى الله عليه وسلم في الفصل بين العباد، فيأتي الله جل وعلا ويفصل بين العباد).
وهذه الشفاعة العظمى خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء:٧٩].
فهذا هو المقام المحمود، وكما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضنا أن نقول بعد انتهاء الأذان: (اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة، وابعثه اللهم المقام المحمود، الذي وعدته) فالمقام الذي وعد الله جل في علاه نبيه صلى الله عليه وسلم هو أن يقوم يوم القيامة -بعدما تنحى كل رسول وقال: نفسي نفسي- فيقول: أنا لها، أنا لها، فيشفع لفصل القضاء بين عباد الله يوم القيامة.
النوع الثاني من الشفاعة الخاصة بنبينا صلى الله عليه وسلم: هي شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة أن يدخلوا الجنة؛ لأنه لا يدخل الجنة قبله أحد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنا أول من يشفع في الجنة) بعدما يفصل الله بين العباد ويأمر بأهل النار فيقذفون فيها، يبقى أهل الجنة ينتظرون الإذن بدخول الجنة، يريدون الدخول فلا يستطيعون؛ لأن الملك الذي وقف على باب الجنة لا يفتح إلا لشخص واحد وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا أول شافع) وقد أشار الله في كتابه إلى ذلك حيث قال عن الجنة: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ} [الزمر:٧٣]، لكن عندما تكلم عن النار قال: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ} [الزمر:٧١] أي أن النار، لم تنتظر أحداً، فهي مشتاقة للكفار، أما الجنة فقال الله عنها: {حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ} [الزمر:٧٣] هذه إشارة أنهم ينتظرون حتى يشفع لهم الرسول صلى الله عليه وسلم، (فيدق رسول الله صلى الله عليه وسلم باب الجنة، فيقال: من؟ فيقول: محمد فيقول: بك أمرت، ألا أفتح لأحد قبلك، فيفتح لأهل الجنة فيدخلون الجنة)، وهذه شفاعة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إظهاراً لفضله وكرامته.
وشفاعة أخرى خاصة برسول الله لا يشترك معه فيها أحد ألا وهي: شفاعته لـ أبي طالب، وأبو طالب مستحق الخلود في النار، والشفاعة لأهل النار منفية، كما قال الله تعالى حاكياً عنهم: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:١٠٠ - ١٠١].
فيأتي النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لـ أبي طالب؛ لأن أبا طالب كان يحوطه ويناصره ويدافع عنه حتى مات، فكرامة لهذه المدافعة وهذه الإحاطة لأكرم خلق الله على الله، فإن الله شفع رسوله خاصة في أبي طالب، حتى أبا الأنبياء إبراهيم عليه السلام لم يشفعه الله في أبيه.
لما قال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: (ماذا فعلت لعمك، فقد كان يناصرك ويحوطك وكان وكان؟ فقال: لولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار، هو الآن في ضحضاح من نار، له نعلان يغلي بهما دماغه) يعني خفف الله عنه العذاب بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يرى أنه أشد أهل النار عذاباً، نعوذ بالله من النار، ونعوذ بالله أن ندخلها لحظة واحدة.
فهذه الأنواع الثلاثة من الشفاعة خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم.