للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[سمع الله لا يشبه سمع المخلوقين]

إذا قلنا: إن هذه هي صفات سماع الله جل وعلا، وأن المرء حري به أن يعتقد هذا الاعتقاد الصحيح ويسير به إلى الله جل وعلا، فنقول: إن سمع الله لا يشبه أي سمع؛ رداً على المشبهة الذين غالوا في الإثبات وقالوا: لله سمع يشبه سمع المخلوقين، فقلنا: لِمَ؟ قالوا: إن الله سمى هذه صفة السمع، وإن الله جل وعلا خلق المخلوق البشر وله سمع وله بصر، قال تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا * إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [الإنسان:١ - ٢].

فالله الخالق سميع والإنسان سميع، إذاً: فسمع الله يشبه سمع المخلوق، فنقول: لا، فسمع الله لا يشبه سمع المخلوق، ونرد عليهم بقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فالله أثبت لنفسه السمع والبصر، وخلق الإنسان سميعاً بصيراً، وهذا هو الاعتقاد الصحيح الذي نتكلم به، فنعتقد أن الله سميع، والسمع معلوم في اللغة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، فلا يستلزم التساوي في السمع، والتوافق في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى، فلله سمع وللمخلوق سمع، ولكن سمع الله جل وعلا لا يستلزم أن يكون كسمع المخلوق بالتساوي في الاسم، فالإنسان له سمع والحمار له سمع، وللقرد سمع، فهل سمع الإنسان يشبه سمع الحمار؟! وهل سمع الحمار يشبه سمع القرد؟! وهل سمع القرد يشبه سمع الطفل؟!

الجواب

لا، فإن قلنا: إنه لا تشابه فمن باب أولى أن نقول: إن سمع الله جل وعلا لا يشبه سمع المخلوق، فسمع الله جل وعلا أزلي أبدي، وليس له فناء، وسمع الإنسان ناقص له فناء وهو إلى زوال، وسمع الله جل وعلا غير محدود، ووسع كل المخلوقات وكل الأشياء، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، كانوا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندي من شيئاً)، فالله جل وعلا لا تختلف عليه اللغات، فهذا الجني وهذا الإنسي وهذا الحيوان، كل منهم يتكلم بصوت مسموع يعلمه الله جل وعلا، ولا يشغله سبحانه صوت عن صوت.

وأما سمع الإنسان فهو محدود، ويصل سمعه إلى مسافة محدودة، بل يشغله صوت عن صوت، ويشوش عليه صوت الصوت الآخر، فسمع الله جل وعلا يليق بجلاله وكماله وعظمته، وسمع الإنسان يليق بنفسه ويليق بضعفه ويليق بزواله، فسمع الله جل وعلا لا يشبه سمع المخلوقين.

وهذا فيه رد على المعطلة الذين نفوا صفة السمع عن لله جل وعلا، وهؤلاء هم الذين جرءوا علينا أهل الكفر والإلحاد، فإن أهل الكفر والإلحاد عاب الله عليهم أنهم يعبدون ما لا يسمع ولا يبصر، ويعبدون صنماً، والجهمية بقولهم هذا يعبدون صنماً، فهم يقولون: لا سميع ولا سمع، لا بصير ولا بصر، وينفون عن الله صفة السمع وصفة البصر، فهم يعبدون صنماً، فجرءوا علينا أهل الكفر والإلحاد.

ونحن نرد عليهم بأنهم خالفوا ظاهر الكتاب وظاهر السنة وخالفوا إجماع أهل السنة والجماعة، ولا دليل لهم يخرجهم عن إثبات الصفة لربنا جل وعلا، فقد أثبتها لنفسه وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فلله سمع ليس كسمع البشر، ولله بصر ليس كبصر البشر، وصفاته سبحانه تليق بجلاله وكماله.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>