للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التذلل لله تعالى]

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [وعن أبي الدرداء عن زيد بن ثابت (أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه، وأمره أن يتعاهد أهله في كل صباح: لبيك اللهم لبيك وسعديك، والخير في يديك، ومنك إليك) الحديث بتمامه.

وفي هذا الحديث: (اللهم إني أسألك الرضا بعد القضاء، وبرد العيش بعد الموت، ولذة النظر إلى وجهك، وشوقاً إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة)].

هذا الحديث يبين أن سيد الخلق أجمعين كان يسارع في مرضاة ربه جل وعلا، فهو يقول: لبيك وسعديك، لبيك اللهم لبيك أي: أجيبك إجابة بعد إجابة، وكان الصحابة يتمثلون ذلك فيقولون: لبيك تعبداً ورقاً، لبيك إخلاصاً وورعاً، كما ورد عن بعض الصحابة، وكأن لسان حاله: (وعجلت إليك ربي لترضى) والخير في يديك، ومنك وإليك، وفي هذا دلالة على أن الإنسان إذا كان في خير فإن هذا ليس منه، ولا من ذكائه وفعله، بل كل خير فيه هو من الله جل وعلا، قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣]، وقال جل وعلا: {وَهُوَ الَّذِيْ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل:٧٨]، فلا يقول الإنسان: أنا الذي فهمت هذا الفهم، بل يقول: الله فهمني هذا.

كان ابن تيمية يمرغ وجهه في التراب ويقول: يا معلم إبراهيم علمني، يا مفهم سليمان فهمني، قال الله تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ} [النحل:٥٣].

قوله: (فالخير منك وإليك)، يعني: من الله جل وعلا، يرد الفضل إلى الله جل وعلا، فمن اعتقد هذا الاعتقاد الصحيح فلن يتذلل ولن يلين قلبه إلا لله جل وعلا، ولن يرى مستحيلاً في هذه الدنيا؛ لأنه يرى كل شيء تحت قدرة الله تعالى، فإن أبا بكر رضي الله عنه وأرضاه أصبح خير هذه الأمة بعد رسول الله بمنة الله جل وعلا وفضله.

إن هذا الحديث يدعونا إلى الطمع الكبير في فضل الله، وإن كان الطمع مذموماً في أمور الدنيا، لكنه ممدوح في الدين، فيطمع المرء طمعاً كبيراً في فضل الله جل وعلا، فإن أردت أن تكون شهيداً فاطمع في إعطاء ربك، أو أن تكون عالماً فاطمع في فضل ربك، أو أن ترافق النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى فاطمع في فضل ربك، واعلم أن الخير كله بيد الله جل وعلا.