للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم جواز الاحتجاج بالقدر على المعاصي]

هل يجوز الاحتجاج بالقدر؟ مثل أن يذهب رجل فيزني، فإذا أنكرت عليه قال: هذا قضاء وقدر، وقد جاء أن رجلاً من الجبرية دخل على امرأته فوجد رجلاً يزني بها فقال: ما هذا يا فاعلة الفاحشة؟ فقالت: مهلاً فإن هذا بقدر الله، قال: نعم بقدر الله، وسكت هذا الغبي، فلما رأت ذلك قالت: والله ما هذا بدين بحال من الأحوال، أصبح الرجل ديوثاً بسبب فقهه بهذه العقيدة الخربة.

فالمعصية لا يحتج عليها بالقدر لكن القاعدة: أن القدر يحتج به في المصائب لا في المعايب، فأي مصيبة تنزل عليك فإنك تقول: قدر الله وما شاء فعل، إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلفني خيراً منها، قال الله تعالى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:٢٢]، فيؤمن بها ويرضى بها قلبه، فالله جل وعلا يسلم قلبه ويزيده على ذلك إيماناً، وتنزل عليه برداً وسلاماً.

ففي المصائب لك أن تحتج بالقدر وأما في المعايب فلا تحتج بالقدر بحال من الأحوال، والحديث الذي يبين لنا هذا جلياً هو حديث احتجاج موسى مع آدم، قال النبي صلى الله عليه وسلم يبين لنا أن آدم عليه السلام كانت معه الحجة القوية: (قال موسى لآدم: أنت آدم أبو البشر خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، أخرجتنا ونفسك من الجنة؟ فقال آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه، وخط لك التوراة بيده، أتلومني على أمر قد قدره الله علي قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى).

وللعلماء تأويلات كثيرة جداً لهذا الحديث، والراجح أن موسى احتج على آدم بخروجه من الجنة، وهذه مصيبة كبرى أنّا خرجنا من الجنة، ولم يحتج على آدم بمعصيته وأكله من الشجرة، فلما احتج عليه في المصيبة كانت الحجة مع آدم، فقال: قدر الله علي هذه المصيبة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى، فحج آدمُ موسى).