للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[شيوخه]

كان ابن خزيمة من قرناء البخاري ومسلم، وأعظم الشيوخ الذين سمع منهم: محمد بن يحيى الذهلي شيخ البخاري، وأيضاً إسحاق بن راهويه.

أما مكانته العلمية فكانت مرموقة جداً بين أهل العلم، وكفاه فخراً أن لقب بإمام الأئمة.

كان يجمع بين علم الحديث والفقه، وقد قلنا: من طلب الحديث دون الفقه زل في المسائل الفقهية وضعف، ومن طلب الفقه دون الحديث احتج بالضعيف ولم يستطع أن يتقوى، ولا بد من الجمع بين الحديث والفقه، وأنا أسأل ربي أن ييسر علي إتمام بحث معين سميته فقهاء المحدثين، فهؤلاء هم أفاضل الناس، هؤلاء الشموس هم العلماء بحق الذين يحتذى حذوهم، قال الإمام أحمد: كنا نسمي أهل الحديث صيادلة، وكنا نسمي أهل الفقه أطباء، فخرج علينا الشافعي، فكان طبيباً صيدلانياً جمع بين الفقه وبين الحديث.

والعلماء يعيبون جداً على يحيى بن معين الناقد الجهبذ الذي كانت ترتعد فرائص أي عالم من علماء الحديث إذا وجد يحيى بن معين؛ لأنه كان نقاداً في علم الجرح والتعديل، ومع هذا كانوا يعيبون عليه عدم علمه بفقه الحديث، جاءته امرأة تسأله: هل لي أن أغسل زوجي الذي مات وأنا حائض؟ وكان قد وصى أن تغسله، فوقف يحيى بن معين حائراً يضرب أخماساً في أسداس كما يقولون، ثم مر أبو ثور الكلبي صاحب الشافعي، فقال يحيى: اسألي هذا الرجل، فقال أبو ثور: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج رأسه لـ عائشة فترجله وهي حائض، وهذا قياس الأولى، فلما أبيح للحائض أن تفعل ذلك، والمعتكف يمكنه ذلك، فالذي هو أحوج إلى التغسيل والتنظيف فالحائض يحل لها أن تغسله.

فقال يحيى بن معين: نعم هذا الحديث جاءنا من طريق فلان عن فلان عن فلان، وطريق فلان وفلان، وأتى بكل الطرق، فقالت المرأة: ولماذا لم تجبني لما سألت؟! وأين فلان وفلان التي تتحدث عنهم عندما سألتك؟! فعابوا عليه ذلك.

والإمام أحمد بن حنبل اشتد على يحيى بن معين؛ لأنه كان يتكلم في الشافعي، والشافعي جبل لا يؤثر فيه كلام أحد، حتى وإن كان يحيى بن معين، فـ الشافعي إمام كالشمس، فكان يتكلم فيه يحيى بن معين فعابوا عليه ذلك، واشتكوا إلى أحمد بن حنبل ذلك وقالوا: أما تسمع صاحبك يتكلم في الشافعي؟! فقال أحمد بن حنبل: أما إن يحيى بن معين يجهل ما يقوله الشافعي، ومن جهل شيئاً عاداه.

أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية كان يجلس مع مناظريه وهم مقلدة، يحفظون الفروع من الفقه فقط، ولا يعرفون فقه الأدلة، بينما شيخ الإسلام ابن تيمية أعطاه الله قوة في العلم وبسط له، فكان يقف يناظرهم، فيقولون: هذا رجل ما يفقه شيئاً! نسأله عن الشمال فيتكلم عن الجنوب والشرق والغرب ويبعد عن المسألة، قال ابن القيم: هذا من سعة علمه وفقهه وغوصه في الأدلة، ومن شدة جهلهم وضيق أفقهم، فأي إنسان يجهل ما يقال يعادي صاحب المقولة.