الكفر كفران: كفر أكبر وكفر أصغر، كما أن الشرك شركان: شرك أكبر وشرك أصغر.
فالكفر الأكبر: هو الذي يخرج به صاحبه من الملة، ويخلد في نار جهنم، والكفر الأصغر صاحبه على شفا هلكة لكنه أيضاً تحت مشيئة الله جل وعلا، والكفر الأصغر: مثل الحلف بغير الله، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من حلف بغير الله فقد أشرك)، أو من اتخذ سبباً لم يشرعه الله كالتمائم، وإذا اعتقد أن السبب ينفع ويضر من دون الله فهذا شرك أكبر وكفر أكبر.
والفرق بينهما أن صاحب الشرك الأكبر والكفر الأكبر في نار جهنم خالد مخلداً، وأما صاحب الشرك الأصغر والكفر الأصغر فهو تحت المشيئة، فقد يدخل الجنة من أول وهلة، وقد يعذب بخطيئته ثم بعد ذلك يدخل الجنة.
ولا يمكن لإنسان بحال من الأحوال أن يكفر أحداً إلا الجهال المتجرئون، فهم الذين يطلقون التكفير، فلا يمكن لأحد أياً كان أن يكفر أحداً من المسلمين حتى يكون معه دليل أوضح من شمس النهار، خوفاً على نفسه من أن يقع في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(من قال لأخيه: يا كافر! فقد باء بها أحدهما)، فإن كان كافراً بحق ثبتت عليه، وإن لم يكن حارت ورجعت على هذا المكفر الجاهل الذي تكلم بما لا يعي ولا يعلم، فلا يصح لأي إنسان أن يتجرأ على مسألة التكفير، فإذا كان هناك دليل كشمس النهار على التكفير فهذا مخرج.
ولا يلزم من الوقوع في الكفر تكفير الفاعل، فالقول قد يكون كفراً، والفعل قد يكون كفراً، ومع ذلك لا يكون القائل والفاعل كافراً حتى تقام عليه الحجة وتزال عنه الشبهة، إلا فيما هو معلوم من الدين بالضرورة، كرجل يقوم في وسط الطريق فيسب الله جهاراً نعوذ بالله من ذلك، فهذا كفر وفاعله كافر ولا يلزم إقامة الحجة عليه ولا إزالة الشبهة؛ إذ إن هذا معلوم من الدين بالضرورة، أو رجل يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا لابد أن يقتل، وهو كافر، ولابد على ولي الأمر أن يقتله، وحتى ولو تاب فلابد على ولي الأمر أن يقتله، فهذا كفر معلوم من الدين بالضرورة.
وهنا أمر وهو: أن المعلوم من الدين بالضرورة أمر متفاوت، فقد يكون الحكم معلوماً من الدين بالضرورة في بلد، ولا يكون معلوماً من الدين بالضرورة في بلد آخر، فالذي نشأ ببادية بعيدة ولم يعلم من أحكام الشرع شيئاً لا نطبق عليه هذه القاعدة.