للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المخرج من الفتن الاعتصام بأمر الله]

قول النبي صلى الله عليه وسلم (وشوقاً إلى لقائك في غير الضراء مضرة، ولا فتنة مضلة) يجرنا هذا الحديث إلى الكلام عن مسألة الفتن التي تأتي وتجعل الحليم حيراناً، فما أخوف حال المرء في الفتنة! وللإنسان في ذلك أحوال: الأول: حال المنفرد في العزلة، وذلك بأن يعض على أصل شجرة إلى أن يرى الخير فيذهب إليه، فإن لم ير ذلك فالعزلة، والعزلة أفضل، وأعني: العزلة القلبية لا العزلة الجسدية، وذلك بأن تكون مع الناس بجسدك لا بروحك، روحك في السماء تحلق، وقلبك معلق بالعرش، وجسدك مع البشر تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتصبر على أذاهم، فهذه هي الحالة الأولى ولا بد لكل إنسان أن يتمرس عليها من الآن.

الحالة الثانية: أن تتمنى الموت، وذلك إن لم تر الخير، أو لم تر أنك تقدم لدين الله جل وعلا شيئاً، أو أنك لن تقدر على النجاة من هذه الفتن التي تطرأ على هذه الأمة، فحينها تتمنى الموت في غير فتنة، وهذا استثناء من الأصل العام الذي أصله الشرع، وهو النهي عن تمني الموت إلا في هذه، وهي عندما تخشى على نفسك أو على دينك من الفتنة، فلك أن تتمنى الموت، والدليل على ذلك من الكتاب قوله تعالى عن مريم: {قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسِيَّاً مَنْسِيَّا} [مريم:٢٣]، وهي إنما قالت ذلك خشية على نفسها من فتنة الدين أو أن يتهموها بالزنى، وقد قالوا لها: {مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:٢٨]، فالإنسان يمكنه أن يتمنى الموت في حال الفتنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (في غير فتنة مضلة).

وهذا آخر ما يستنبط من فوائد هذين الحديثين.