كما يوصف الله عز وجل بأن له أصابع، فيوصف أيضاً بأن له أنامل، وبكيفية ذلك يعلمها الله جل وعلا ولا نعلمها نحن.
وهذه الأنامل ثبتت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأثبتها أهل السنة والجماعة، وأهل السنة والجماعة مع أهل البدعة والضلالة من المفوضة يتفقان ويفترقان، فالمفوضة ذهبوا إلى تمييع الصفات، فعندما نقول: الله عز وجل يسمع كل الأصوات على تعدد الحاجات واختلاف اللغات، ويسمع دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، فهم يقولون في سمع الله: لا نعلم معناه، مع أنهم يعلمون أنك إذا قلت: محمد يسمع، أنه يسمع بسمع حقيقي، لكنهم يقولون في صفة السمع: لا نعلم معناها، وكأنهم يقولون: تفوض المعنى، أي: لا معنى لها إلا هذه الحروف التي تشابكت أمامنا فقط، فهؤلاء هم المفوضة.
وأما أهل السنة والجماعة فيفوضون الكيفية فقط ولا يفوضون المعنى، فهم يتفقون مع أهل البدعة في تفويض الكيف، ويفترقون عنهم في تفويض المعنى، ولذلك فالإمام أحمد لما ذكرت له الصفة قال: نفوضها لله، أي: نفوض كيفيتها، فأهل السنة والجماعة يقولوا: نفوض كيفيتها، فيقولون في قوله تعالى:{الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}[طه:٥]: نفوض الكيفية ولا نعلم كيف استوى، لكنا نعلم أن معنى الاستواء هو العلو والارتقاء.
إذاً: فأهل السنة مع أهل البدعة يتفقان في تفويض الكيفية ويفترقان في تفويض المعنى؛ لأن أهل السنة والجماعة يثبتون المعنى ويعلمونه، وأما أهل البدعة والضلالة فيفوضونه.
إذاً: فنفوض الكيفية في الأنامل، ونثبت المعنى، فلله أنامل، ولها كيفية، وهذه الكيفية مجهولة يعلمها الله.
قال النبي صلى الله عليه وسلم -كما في سنن الترمذي -: (رأيت ربي في المنام) وهذا دليل صريح على أن المؤمن يمكن أن يرى ربه في المنام بلا كيفية، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ربه في منامه رؤية قلبية، لا رؤية بصرية؛ لأننا نعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرى الله في الدنيا، ولم يراه أحد في الدنيا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:(لن تروا ربكم حتى تموتوا) فلا رؤية لأحد لله جل وعلا بالعين البصرية في الدنيا، وعندما طلب موسى من الله أن يراه قال:{قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}[الأعراف:١٤٣]، فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى الله في المنام ليلة، فسأله: فيم يختصم الملأ الأعلى؟ فلما لم يعلم النبي صلى الله عليه وسلم، وضع الله يده على صدره، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(حتى وجدت برد أنامله على صدري) فأثبت اليد ثم أثبت الأنامل، وهذا فيه تصريح أن لله أنامل.
وهذا ختم الكلام في باب صفة اليد، والخلاصة: أن الله لا يوصف بأن له شمال، بل كلتا يديه يمين، وله أصابع وأنامل، وكيفيتها يعلمها ربنا جل وعلا.