[أدلة الخوارج والمعتزلة في هذه المسألة]
لقد أصبح من يريد أن يبتدع يبحث له عن حجة في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومما استدل به هؤلاء من كتاب الله جل في علاه، ومن سنة النبي صلى الله عليه وسلم على تكفير صاحب الكبيرة أنهم قالوا: لدينا أربعة أدله تثبت كفر صاحب المعصية منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم سماه كافراً، فلم لا نسميه كافراً كما سماه النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أكد كفر صاحب المعصية، فنزع عنه اسم الإيمان.
ومنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم جزم بأن صاحب المعصية من أصحاب النار.
ومنها: تأكيد رسول الله أن صاحب المعصية لا يدخل الجنة.
فهذه أربعة من الأدلة التي إذا نظر إليها الغر الذي لا يعرف دقائق العلوم قال: إن هؤلاء القوم عندهم من الكتاب والسنة ما لا يستطيع أحد أن يواجههم به.
ونأتي هنا إلى أدلتهم التي استدلوا بها على كفر من فعل المعصية، فحديث النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين قال فيه: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، يعني: أن من رفع السلاح على أخيه، أو أشهره عليه وقاتله، فإنه كافر؛ لتصريح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض)، وآكد من ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، قالوا: الفسوق هنا قرين للكفر، محتجين بالآية: {فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران:٨٢]، يعني: الكافرون.
فالفسوق هنا كفر عندهم، وقالوا: المذكور في الحديث ليس من الصغائر ولا المخالفات فقط بل من الكفر، وكل واحدة أشد من الأخرى، فهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم بكفر فاعل هذه المعصية.
واستدلوا أيضاً بما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ثنتان في أمتي هما بهم كفر، منها: النياحة على الميت)، وفي رواية (الاستسقاء بالنجوم)، وفي رواية أخرى: (الطعن في الأنساب).
وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم سمى هذا الفعل كفراً، وهو اللطم على الخدود، أو النياحة على الميت، أو الطعن في الأنساب.
أما الصنف الثاني من أدلتهم: فهو تأكيد رسول الله بأن فاعل المعصية كافر، فنزع عنه اسم الإيمان، وإذا نزع عنه اسم الإيمان فقد حل محل الإيمان الكفر، وذلك في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)، أي: أنه لا يزني الزاني حين يزني إلا وهو كافر، فقالوا: وكذلك لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، وغير ذلك من المعاصي.
وأيضاً قالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم نزع الإيمان عن أكثر من واحد فعل هذه المعاصي، ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (لا إيمان لمن لا أمانة له)، فإن قلت: إنه ليس بمؤمن فهو كافر -هذا على حد قولهم-، قالوا: وقد سماه أولاً كافراً، وأكد ذلك بأن فاعل المعصية لا يسمى مؤمناً.
والصنف الثالث من أدلتهم: أنهم قالوا: لقد جزم النبي صلى الله عليه وسلم بدخول فاعل المعصية النار، والأدلة قد صرحت بأنه من أهل النار، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء:٩٣]، ثم أكد أنه من أهل النار بقوله: {خَالِدًا فِيهَا} [النساء:٩٣].
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من تحسى سماً فهو في نار جهنم يتحساه خالداً مخلداً فيها)، وقال: (من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها).
وأيضاً: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} [النساء:١٠].
والصنف الرابع من الأدلة: تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم بأن فاعل المعصية لا يدخل الجنة، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، وأيضاً قال: (لا يدخل الجنة قتات)، وقال: (لا يدخل الجنة ديوث)، فكل هذه الأحاديث تثبت عدم دخوله الجنة، وهي أدلة متواترة تعضد القول بأن صاحب المعصية يدخل النار ولا يدخل الجنة، وإذا قلنا: إنه يدخل النار ولا يدخل الجنة، فهو خالد مخلد في نار جهنم.
فهذه هي أصناف الأدلة الأربعة التي استدل بها هؤلاء على كفر صاحب المعصية كفراً يخرجه من الملة، فيستحق بذلك الخلود في نار جهنم.