للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توحيد المعرفة والإثبات]

القسم الأول من التوحيد هو توحيد المعرفة والإثبات، وهو نوعان: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.

وتوحيد الربوبية: هو أن تعتقد اعتقاداً جازماً لا شك فيه أن الله هو الرب الخالق الرازق المدبر السيد الآمر الناهي، وأن له مطلق السيادة ومطلق الحكم والأمر والنهي، فأما الخالق فقال الله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد:١٦]، وأما الرازق فقال: {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٧ - ٥٨]، فالرزق المطلق هو من قبل الله جل وعلا، والخلق المطلق هو من قبل الله، وهناك خلق آخر ناقص وليس بكامل، يقوم به الإنسان كما قال الله تعالى: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون:١٤]، فالخلق المطلق وهو الإيجاد من العدم يتفرد به الله جل وعلا.

وأما الخلق الناقص وهو النقل من صورة إلى صورة، كنقل الحديد إلى سيارة، والخشب إلى باب، فهذا يسمى خلقاً لكنه خلق ناقص وليس بخلق مطلق.

وهو المدبر، قال تعالى: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:٥]، وقال الله تعالى مبيناً ذلك بياناً جلياً: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩].

قال ابن مسعود: يرفع أقواماً ويخفض آخرين، ويعطي هذا ويمنع هذا، ويميت هذا ويحيي هذا.

وكل ذلك من لوازم الربوبية.

وله الحكم المطلق، {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [يوسف:٤٠]، وقال الله تعالى: {أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} [الأعراف:٥٤].

فالخلق إن كان من لوازم الربوبية فالأمر أيضاً والتشريع من لوازم الربوبية، فالأمر كله لله جل وعلا.

فهذا هو معنى توحيد الربوبية: أن تعتقد اعتقاداً جازماً بهذه الصفات التي هي من لوازم الربوبية.

ولم يشرك أحد في الربوبية، بل إن كل المشركين إلا النزر اليسير كانوا يؤمنون بالربوبية ولم يشككوا فيها، والنبي صلى الله عليه وسلم لما أتى بشريعته إلى مشركي العرب ما عارضوه في ربوبية الله جل وعلا، وإنما عارضوه في الإلهية، فقالوا: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:٥]، وقال الله تعالى مبيناً أنهم يقرون بالربوبية: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزمر:٣٨]، وهذا يدلك على خطأ بعض العلماء المعاصرين الذين فسروا قول الله تعالى: {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد:١٩] لا رب إلا الله، فهذا ليس بصحيح.

وقالوا أيضاً: إذا أتى بلوازم الربوبية واعتقد اعتقاداً جازماً أن الخالق والمكون والمدبر هو الله فقد تم توحيده، ودخل الجنة، وهذا خطأ فاحش، إذ إن المشركين يقرون بذلك، والفارق بين المشرك والمؤمن هو توحيد الإلهية كما سنبين.

فلم يشرك إلا النزر اليسير في توحيد الربوبية، وجحد به من جحد وهو عالم به كفرعون، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} [النمل:١٤].

وأيضاً المانوية والثانوية، فهم يقولون: إن للكون خالقين، خالق للنور وخالق للظلمة، فهؤلاء أشركوا في الربوبية، وأيضاً الشيوعيون الدهريون في عصرنا الذين يقولون: ما يهلكنا إلا الدهر، ويقولون: هكذا خلقت، والناس خلقوا صدفة، والطبيعة هي التي أوجدتهم! فهؤلاء نزر يسير، وأما المشركون قاطبة فهم مقرون بربوبية الله جل وعلا.

والنوع الثاني من القسم الأول وهو من أهم وأجل أقسام التوحيد، وهو الذي زلت فيه الأقدام، وظهرت فيه البدعة على أوجها، ألا وهو: توحيد الأسماء والصفات.

ومعنى توحيد الأسماء والصفات: أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن لله جل وعلا أسماء حسنى وصفات علا، هذه الأسماء أعلام على ذات الله جل وعلا، وكلها حسنى؛ لأنها تتضمن صفات كمال، فالله اسم من أسماء الذات الإلهية، وعلم على ذات الله جل وعلا، وهو يتضمن صفة كمال ألا وهي الإلهية، والكريم اسم من أسماء الله جل وعلا، وهو من الأسماء الحسنى؛ لأنه يتضمن صفة الكمال وهي الكرم، والقدير اسم من أسماء الله الحسنى، وهو علم على ذات الله، وإذا قيل لك: العليم القدير فذهنك ينصرف إلى الذات الإلهية المقدسة، فكل اسم يتضمن صفة كمال.