القسم الثاني: توحيد العبادة، أو توحيد الله في أفعال العباد، وهذا هو الذي من أجله أنزل الله الكتب، وخلق الخلق، ومن أجله ضرب الصراط، ومن أجله جعل الجنة والنار، وهو توحيد الإلهية.
ومعناه: إفراد الله جل وعلا بالعبادة، والقاعدة: أن كل عبادة ثبتت بالكتاب والسنة أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، وأيضاً: كل سبب شرعه الله فالأخذ به توحيد، والأخذ بالأسباب التي لم يشرعها الله جل وعلا ولا رسوله شرك.
وتفسير ذلك مثلاً: أن تأتي إلى سبب شرعه الله جل وعلا كالتبرك بشرب ماء زمزم، فهذا سبب في الشفاء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(ماء زمزم لما شرب له)، فهذا توحيد، وأما إذا أخذت سبباً لم يسببه الله جل وعلا، ولم يشرعه في كتابه ولا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم، فقد دخلت في باب من أبواب الشرك، مثال ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح: (أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا مؤمن بي كافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فهذا كافر بي مؤمن بالكوكب).
وهذا فيه تفصيل، فإن اعتقد أن النجم يتحكم في الكون من دون الله، وهو الذي ينزل المطر، فهذا الاعتقاد كفر يخرج من الملة؛ لأنه اعتقد الربوبية في غير الله جل وعلا، فإن اعتقد أن هناك من يدبر الأمر غير الله كالذين يدعون في الأولياء وأرواح الأولياء فكل هذه الشركيات تخرج من الملة.
وأما إذا اعتقد أن النجوم سبب في نزول المطر كالسحاب فهذا من الشرك الأصغر؛ لأنك جعلت سبباً لم يشرعه الله، والله جل وعلا يقول:{أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}[الشورى:٢١]، فالله جل وعلا قد بين لك سبب المطر وهو: أنه يثير سحاباً، وهذا السحاب يتراكم وينزل بسببه المطر.
إذاً فتوحيد الإلهية هو إفراد الله بالعبادة، فكل عبادة تصرفها لله بعد ثبوتها بالشرع فهي توحيد، وصرفها لغير الله شرك.