إذا أردنا أن نثبت لله النفس فما هي الأدلة على أن لله نفساً؟ نحن نتعبد الله فلابد أن نتعرف على أسمائه الحسنى، قال ابن القيم: أدق العلوم وأجلها العلم بأسماء الله وصفاته العلى.
من الأدلة الواردة في إثبات صفة النفس لله ما أخبر الله عن عيسى حيث يقول:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:١١٦].
وقال تعالى:{قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ}[الأنعام:١٢] وجاء في صحيحي الإمام البخاري ومسلم: (من ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، ومن ذكرني في ملء) إلى آخر الحديث.
والقاعدة تقول: إن الصفات الخبرية لا مدخل للعقل فيها، ولكن العقل لا يردها وإنما يقبلها.
فإذا قيل لنا: ليس لله نفس، وقول الله جل وعلا:{وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي}[طه:٤١] هذه إضافة المخلوق إلى الخالق إضافة تشريف كإضافة الناقة إلى الله، وإضافة بيت الله إليه، كقول الله تعالى:{وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ}[الحج:٢٦]، وقوله:{فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا}[الشمس:١٣]، فهذه إضافة المخلوق إلى الخالق، فنقول: اسم السميع لله ألا يفهم منه صفة السمع؟ سيقولون: لا نعلم إلا أن السين ضم إليها الميم والياء والعين لا نعلم لها معنىً مفهوماً فأتونا بما عندكم.
فنقول: هذه إضافة أعيان قائمة بذاتها كعيسى، فهو قائم بذاته، والناقة، والبيت، ولو قلنا: الكلام كلام الله أضيف إليه فهل أحد فيكم رأى الكلام يمشي معه؟ لا، فهذه ليست عين قائمة لذاتها، فالمعاني إذا أضيفت إلى الله فهي إضافة صفة إلى موصوف، أما الأعيان فتكون إضافة مخلوق إلى خالق، وأضيفت لله تشريفاً وتكريماً.
الجواب الثاني: لو قلنا بقولكم للزم بذلك لوازم باطلة منها قوله: (واصطنعتك لنفسي) سيكون معناها: واصطنعتك لغيري، كأنه اصطنعه ليتعبد لغير الله جل وعلا، وهذا كفر أن يقال ذلك، وقوله:{وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ}[المائدة:١١٦] ستكون: تعلم ما في غيري ولا أعلم ما في غيرك! فهذا كله من اللوازم الباطلة.