قال نهيك بن عاصم عن الرسول صلى الله عليه وسلم:(فضحك لعمر الله)، فقوله:(لعمر الله) قسم، فهو يقسم بعمر الله جل وعلا، أو بحياته، وهذا الكلام يستنبط منه آداب القسم، والقسم قسمان: قسم من الخالق، وقسم من المخلوق، فأما قسم الخالق فيقسم بما شاء من خلقه، يقسم بالسماء والطارق، ويقسم بالليل والنهار والشمس، قال الله تعالى:{وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ}[الطارق:٢ - ٣]، وقال جل وعلا:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}[الليل:١ - ٢]، وقال جل في علاه:{وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ}[الفجر:١ - ٢]، وقال جل في علاه:{وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ}[الانشقاق:١٨]، وقال جل في علاه:{لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ}[الحجر:٧٢]، فالمخلوق الوحيد الذي أقسم الله بحياته هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله يقسم بما شاء من خلقه، وفيه دلالة على ربوبيته وعظمته وقوته وقدرته سبحانه جل في علاه.
أما القسم الثاني فهو قسم المخلوق، فالمخلوق لا يقسم أبداً إلا بالله جل في علاه، ودليل ذلك ما جاء في الصحيحين عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
وفي رواية أخرى قال:(لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله)، وبسند صحيح عن ابن مسعود قال: لأن أحلف بالله كاذباً خير لي من أن أحلف بغير الله صادقاً.
ووجه ذلك أن الحلف بغير الله شرك، وأما الحلف بالله كذباً فهو معصية، والشرك وأكبر من المعصية، ففي هذا دلالة على أن المخلوق لا يقسم أبداً إلا بالله جل في علاه.
وكيفية القسم أن يقسم بذات الله، أو بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، والحياة صفة من صفات الله جل وعلا، وهذا الصحابي الجليل أقسم بها وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك بل وقال:(فلعمر إلهك ما يدع على ظهرها من مصرع) إلى آخر الحديث، فأقسم بعمر الله أو بحياة الله.
وحياة الله صفة من صفاته الثبوتية التي أثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم لله جل في علاه، ولو كانت سلبية لنفاها.
وهي صفة ذاتية أزلية أبدية، فإن حياة الله جل وعلا لا تشابه حياة المخلوقين، فحياة المخلوق يسبقها العدم، ويلحقها الفناء، أما حياة الله جل وعلا فهي حياة أزلية أبدية، والقسم بعمر الله أو بحياة الله قسم بصفة من صفاته.