للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حكم التألي على الله ونفي الإسلام عن المسلمين]

لقد قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قصة فيها: (أن رجلاً من بني إسرائيل كان يمر على أخ له وهو يرتكب المعاصي فيقول له: يا فلان، استغفر ربك قال له المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وهو مصر على هذا الذنب، فقال له: والله لا يغفر الله لك أبداً، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي؟! قد غفرت له وأحبطت عملك).

إذاً: ينبغي للمسلم عموماً وطالب العلم خصوصاً أن يعلم أن التكفير حق محض لله، وأنه من لوازم ربوبية الله ومن نازع الله في ربوبيته فهو على خطر عظيم، ومن دخل حظيرة الإيمان فليس لأحد أن يخرجه منها إلا بدليل.

وهذا مثال يوضح لنا أن مسألة التكفير حق محض لله وأن من نازع الله فيها فقد نازعه في ربوبيته، جاء في الصحيحين أن المسلمين أغاروا على قومٍ فأعملوا فيهم القتل، ففر رجل منهم، فقام أسامة بن زيد يشتد عليه حتى قتله وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعدما قالها؟ فقال: يا رسول الله، ما قالها إلا متعوذاً)، كأنه اجتهد فيه اجتهاداً ظهر له أن هذا الرجل إنما قالها خوفاً من القتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم معاتباً ومنكراً إنكاراً شديداً على أسامة: (أقتلته بعدما قالها؟ ثم قال له في الثالثة: ماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) فندم أسامة ندماً شديداً على هذا الفعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصل لنا أصلاً، وهو أنَّ من دخل في الإيمان لا يصح لأحد أن يكفره وأن يخرجه من حظيرة الإيمان بحال من الأحوال إلا بدليل أوضح من شمس النهار، له من الله فيه بينة واضحة مثل: تكفير فرعون وأبي جهل وأبي لهب قال تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ} [المسد:١ - ٣] فالله بين أنه من أهل النار وأنه كافر قطعاً، وكذلك اليهود والنصارى فقد بين الله كفرهم في كتابه.

وهذا مثال يبين التأصيل الذي أصله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه جميعاً عندما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه قسمة ما ابتغي بها وجه الله، فقال خالد: دعني أضرب عنق هذا المنافق.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعله يصلي، فقال خالد: كم من مصلٍ يفعل ما لا يعتقد أو يقول ما لا يعتقد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أمرت أن أشق عن القلوب).

فمسألة التكفير هي حق محض لله، فمن دخل دائرة الإسلام فلا يجوز لأحد أن يكفره إلا بدليل أوضح من شمس النهار.

هذا مثل عظيم ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لـ خالد ولـ عمر ولـ أسامة وغيرهم حتى يتبين لنا الأمر، فلا نتجاسر على مسألة التكفير.

<<  <  ج: ص:  >  >>