[شبهات القائلين بأن عم النبي وأبويه ليسوا من أهل النار والرد عليها]
وقد أبى المتنطعون الذين يهرفون بما لا يعرفون، والذين يخرفون ويضللون الناس أبوا على هذه الأحاديث الصحيحة أن تسطع كشمس النهار فتعلم الناس، وأبوا علينا ذلك، فقالوا: لا والله لا نرضى بهذا، بل أبو طالب في الجنة، وأبو النبي عبد الله في الجنة، وآمنة في الجنة، فنقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (أبي وأبوك في النار) والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي) فكيف تقولون هذا؟ قالوا: بالأثر والنظر، وهذا الكلام تلبيس، ووالله الذي لا إله إلا هو مع تدقيق النظر في كلامهم تقول: حقاً إن إبليس فقيه في الشر؛ فإنه يلبس على الناس، وصدق الله إذ يقول: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} [الأنعام:١٢١]، وليدحضوا الحق بالباطل، فقالوا: أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم (أبي وأبوك في النار)، هذا حديث صحيح ولا نستطيع أن نضعفه، لكن معناه: جدي وأبوك في النار، يعني: عبد المطلب، ولا يقصد أباه عبد الله، والدليل على ذلك: قول الله تعالى عن يوسف: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ} [يوسف:٣٨] الآية، وإبراهيم هو جد يوسف، إذاً يطلق الأب على الجد.
وقالوا أيضاً: آمنة في الجنة، والدليل على ذلك؟ ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن الله أحيا أباه وأحيا أمه، فدعاهما إلى الإسلام فدخلا الجنة بعدما قبلا الإسلام)، وهذا حديث مهلهل، وبه يحتج السيوطي، وقد ضرب صفحاً عن الأحاديث التي في الصحيحين، والتي أسانيدها كالشمس الساطعة في وضح النهار.
وقالوا أيضاً: أبو طالب في الجنة، وكيف يفعلون بالحديث الذي في الصحيح من أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب إليه فقال: (يا عم! قل: لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله)؟ فقالوا: لا، أبو طالب في الجنة بالأثر والنظر، قلنا: كيف بالأثر والنظر؟ قالوا: أما الأثر فحديث النبي صلى الله عليه وسلم (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، وهذا الحديث صحيح كالشمس، قالوا: وأعظم يتيم على الإطلاق في الدنيا كلها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً فأعظم كافل هو أبو طالب؛ لأنه هو الذي كفل النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما النظر: فنصرته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ومدافعته عنه صلى الله عليه وسلم، فإن الله لا يرد هذا الفعل الخير.
أما الجواب عن شبههم هذه فكالآتي: فأما قولهم في حديث: (إن أبي وأباك في النار) وأن المقصود به عبد المطلب، فالرد على ذلك من وجهين: أولاً: أن الأصل الموضوع له لفظ (الأب) أنه هو الذي أنجب، فالأصل أن الأب هو الذي أنجب، فهذا هو الظاهر، ولا ننتقل إلى غيره إلا بدليل، ولا دليل هنا.
ثانياً: نتنزل معك أيها القائل: أن الأب يطلق على الأب الأصل الذي أنجب وعلى الجد أيضاً، فنقول: إذاً فالأب والجد في النار -تنزلاً- ولا يخرج واحد منهما إلا بدليل، وله أن يعارضني ويقول: أخرجتُ الأب بحديث: (أن الله أحيا أباه عبد الله وأمه آمنة فدعاهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإسلام فأسلما)، فأقول: هذا الدليل لا يسمن ولا يغني من جوع؛ لأن الحديث موضوع هالك الإسناد، فلا يصح أن يحتج به، إذاً: فيبقى الحديث الذي في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أبي وأبوك في النار).
ثالثاً: يلزمك أنك إذا قلت بأن لفظة (الأب) تطلق على الجد وجد الجد أن يتنزل ذلك على إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فإسماعيل جد النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة الأب، وأيضاً إبراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم ينزل منزلة الأب، فإذا قلت: لا، إنما يتنزل ذلك على الجد الأقرب، فنقول لك: لم لا تقول: والجد الأبعد، فإذا قال: لأن الأدلة كلها متوافرة متظافرة على أن هؤلاء رسلاً وهم في الجنة، فنقول: وكذلك الأدلة متوافرة ومتظافرة على أن عبد الله في النار، فهذا الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أبوه، ولا يدافع عن أبيه، وهو الذي قال: (أبي وأبوك في النار).
وأما الجواب عن الشبهة الثالثة وهي: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة) فنقول: نحن نوافق ونقر أن أعظم من كفل رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أبو طالب، ونحن أيضاً نقر أن هذا الحديث صحيح كالشمس: (أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة)، والرد على هذه الشبهة من وجوه ثلاثة: الوجه الأول: أن الذين يثابون على الأعمال الصالحات هم المؤمنون خاصة لا الكافرون، قال الله تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ} [النحل:٩٧]، فقيد ذلك بالإيمان، ولم يقل: من عمل صالحاً من ذكر أو أثنى وهو كافر فإنها تكون له الحياة الطيبة في الدنيا وفي الآخرة، وعمه أبو طالب كان كافراً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (قل: لا إله إلا الله) فلم يقل: لا إله إلا الله، ومات على ملة عبد المطلب.
الوجه الثاني: أن أعظم الصالحات التي قدمها من النصرة والكفالة قد عجل ثوابها له في الدنيا وله أيضاً في الآخرة، فإذا عمل صالحاً فإنه لا يضيع هباءً منثوراً، بل إن الله جل وعلا لا يظلم الناس شيئاً، فإنه يعجل للكافرين صالح أعمالهم في الدنيا دون الآخرة، ففي حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها ذكرت للنبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد بن جدعان كان يفعل الخير، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في الدنيا ولا شيء لهم في الآخرة، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أسلمت على ما أسلفت)، وبين الله أن الكافر إذا عمل خيراً فإنه تعجل له طيباته في الدنيا إذا شاء الله، قال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:١٨].
الثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقر بأنه كان ينصره ويؤازره، ومع ذلك بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذه المؤازرة أنه في ضحضاح من النار خالداً مخلداً فيها، أو هو يلبس نعلين من نار تغلي منهما دماغه.
أيضاً: قد نفعته شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الآخرة بسبب الصالحات التي قدمها برسول الله صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وكانت هذه الشفاعة خاصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ أن الكافرين لا شفاعة لهم، قال تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:٤٨]، وقال تعال: {فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلا صَدِيقٍ حَمِيمٍ} [الشعراء:١٠٠ - ١٠١].
فهذا تصريح بأنهم وهم في النار يصرحون أنه لا شفيع يناصرهم أو يشفع لهم، وكانت هذه خاصة لـ أبي طالب، فالنبي صلى الله عليه وسلم شفع له في الآخرة حتى يخرج من الدرك الأسفل من النار ويكون في ضحضاح من النار.
فهذه الشبهة الثالثة وقد أميتت بفضل الله سبحانه وتعالى، وهذه النار قد أخمدت، وأهل البدع هم الذين ينفخون في هذه النار ويقولون: تتجرءون على رسول الله، وأنتم لا تحبون رسول الله، ويبكون ويتباكون زيفاً وزوراً وبهتاناً، ويصادمون كتاب الله، ويصادمون سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فنحن نقر هنا أن عبد المطلب في النار، وأبا طالب في النار، وعبد الله في النار، وآمنة في النار، هذا بتصريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما لنا لا نؤمن بذلك وهي شريعة غراء، وما لنا لا نؤمن بذلك والله جل وعلا أرحم بالعباد من أمهاتهم وأنفسهم، وقد قضى كوناً أن هؤلاء من أهل النار.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.