إن من أروع ما يظهر رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأهل الكفر: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن أرادوا قتله، وشردوه وتكالبوا عليه، وذهب إلى بني عبد ياليل يطلب منهم أن يدخلوا تحت راية الإسلام، وأنه الرسول إليهم من الله، ردوه رداً مقيتاً، فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم مهموماً هماً شديداً، فبعث الله إليه تسلية له ملكاً يستأذنه في تعذيب أعدائه، وهو ملك الأخشبين، ملك الجبال فقال:(يا محمد! إن الله أمرني أن أأتمر بأمرك، ولو أمرتني أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت).
فانظروا إلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بأهل الكفر، وذلك أنه قال لملك الجبال:(لا، لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يشرك به شيئاً، أو من يوحد الله جل في علاه).
وأروع من ذلك: عندما مكن الله جل وعلا لرسوله من رقاب أهل الكفر جميعاً، حين دخل مكة متواضعاً مطأطأً رأسه؛ إرضاء لله جل في علاه، وذلك أنه دخل مكة فاتحاً، فقاموا جميعاً في صعيد واحد، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم:(ما تظنون أني فاعل بكم؟ فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وذلك رحمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل الكفر.
وكذلك ورد أنه جاءه بعض المسلمين وقالوا:(يا رسول الله! ألا تدعو على المشركين؟ فقال: ما بعثت لعاناً، ولكني بعثت رحمة)، فأبى أن يدعو على المشركين رحمة منه صلى الله عليه وسلم، وهذا حديث صحيح.