للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[أصناف الواردين على الحوض]

وأما الذين يَردون هذا الحوض بعد الظمأ الشديد، وبعد العطش القاتل، فيشربون شربة واحدة كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، وهذه الشربة لا يظمأ بعدها العبد أبداً فهم المؤمنون الذين آمنوا بالله جل وعلا واتبعوا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والذين رضوا بالله رباً وبرسوله نبياً ورسولاً صلى الله عليه وسلم، وبالإسلام ديناً، والذين غلبت حسناتهم على سيئاتهم، والذين قدموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم على قول كل أحد، والذين قدموا كتاب الله على كتاب أي أحد.

فإن قيل: وكيف يعرفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمم متشعبة والناس كثر من لدن آدم عليه السلام وإلى آخر الخليقة، خاصة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإني لأذود الناس عن حوضي) أي: يدفع الناس عن حوضه صلى الله عليه وسلم؟ فأقول: قد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السؤال من أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه، فأجاب إجابة وافية فقال: (تبعثون يوم القيامة غراً محجلين)، والغرة: هي البياض في الجبهة، والتحجيل يكون في اليد وفي الرجل، وهذا يكون من الوضوء، فيستقبلهم في حوضه ويسقيهم، فكل واحد يشرب منه شربة هنيئة فإنه لا يظمأ بعدها أبداً.

وأما المبعدون والخاسرون والهالكون فيا حسرة عليهم، بل غير مأسوف عليهم، فإنهم سيردون عن حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم المنافقون والمبتدعون والكافرون ومن ارتد عن دين الله جل وعلا، فقد حرِّم عليهم أن يشربوا من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وهم أحوج ما يكونوا إلى جرعة ماء، فجزاهم الله جزاءً وفاقاً وأجراً طباقاً، فمن ارتد ردة كلية، أو ابتدع في دين الله فهو مبعد عن حوض رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد صور لنا النبي صلى الله عليه وسلم هذا المشهد أيما تصوير، فقال صلى الله عليه وسلم: (إني لأذود الناس عن حوضي وليختلجن -أي: يخطف- أقوام من أمتي، فأقول يا رب! أصحابي أصحابي، فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم جزاءً وفاقاً: (فأقول: سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي، بُعداً بعداً لمن بدل بعدي).

فالمبتدع لا يشرب من حوض النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يتشرف بمس يد النبي صلى الله عليه وسلم بأبي هو وأمي، ولا غرو ولا عجب أن يمنع هذا المبتدع من الشرب؛ إذ المبتدع أبى الله عليه أن يتوب، كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله حجب التوبة عن كل مبتدع) وجاء بسند صحيح عن الثوري أنه قال: البدعة أحب إلى الشيطان من المعصية؛ لماذا؟ لأن صاحب البدعة يقاتل عليها وينافح عنها كما سنبين.

وأما العاصي فحتى لو ارتكب الكبائر فإنه يعترف بأنه على خطأ ومعصية، فمثل هذا نرجو أن يقلع عن تلك المعاصي، وقد نقول: إن المبتدع تلحقه وتدركه لعنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس بعدها من لعنة! فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من آوى محدثاً)، وآوى محدثاً، أي: أن الذي يئوي المبتدع فقط ملعون، فما بالكم بالذي ابتدع في دين الله جل وعلا، ودافع عن هذه البدعة؟! فالمبتدع أول ما يصاب في عرصات يوم القيامة، فإن احتاج إلى الماء فلا يشرب شربة هنيئة من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليختلجن أناس من أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: (يا رب! أصحابي أصحابي، فيقال: يا محمد! إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فيقول: سحقاً سحقاً، بعداً بعداً)، نسأل الله جل وعلا أن يسقينا جميعاً من يد النبي صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا نظمأ بعدها أبداً.

<<  <  ج: ص:  >  >>