[إجماع الصحابة والتابعين على إثبات صفة العلو لله تعالى]
أما الإجماع: فقد أجمع الصحابة الكرام على علو الله، وأن الله فوق عرشه لا يغيب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض, فهذا أبو بكر رضي الله عنه وأرضاه لما بلغه موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ بأبي هو وأمي ـ (دخل عليه فبكى، فنظر إليه فقبل بين عينيه وقال: طبت حياًً وميتاً يا رسول الله! ثم خرج على الناس وعمر يتهاوى بين الناس شاهراً سيفه يقول: من قال: إن رسول الله قد مات ضربت عنقه, فإنما ذهب إلى ربه كما ذهب موسى وسيرجع إلينا, فقال أبو بكر: اسكت يا عمر! فسكت عمر، فقال أبو بكر: من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات, ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت) , وهذا هو الشاهد.
فـ أبو بكر يعتقد أن ربه في علو فوق العرش, قال: (ومن كان يعبد الله فإن الله في السماء حي لا يموت)، وعمر أيضاً يعتقد هذا الاعتقاد الصحيح؛ فإنه ربي على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد جاءت إليه خولة تردد عليه الوعد وتبين له أنه أمير المؤمنين, وأنه مسئول أمام ربه, وأن عليه أن يتقي الله في الرعية ويخشى الله سبحانه، قال رجل من عماله: قد أكثرت على أمير المؤمنين, فقال عمر بن الخطاب: اسكت! أما تعلم أن هذه خولة -رضي الله عنها وأرضاها- التي سمع الله قولها أو شكايتها من فوق سبع سماوات.
فهنا يبين عمر أنه يعتقد أن الله يسمع صوت هذه المرأة وهي تشتكي من فوق سبع سماوات, ولذلك قالت عائشة: (سبحان الذي وسع سمعه كل الأصوات! فإن المرأة تشتكي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيخفى علي بعض حديثها, فأنزل الله: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي} [المجادلة:١]، من فوق سبع سماوات)، وأيضاً اعتقاد عائشة رضي الله عنها وأرضاها هو اعتقاد عمر، وهو نفس اعتقاد ابن عباس، فقد دخل رضي الله عنه وأرضاه على عائشة وهي تموت, فقال لها: (أبشري)، وهذه هي السنة: أن ترجي من كان على فراش الموت بالله جل وعلا, فلا يموتن إلا وهو يحسن الظن بربه؛ لأن الله جل وعلا يقول: (أنا عند ظن عبدي بي, فمن ظن بي خيراً فله, ومن ظن غير ذلك فله)، (فدخل ابن عباس فقال: أبشري أنت زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، وأنت وأنت وأنت، ثم قال: وأنت التي برأك الله من فوق سبع سماوات)، فالله جل وعلا برأها وهو على العرش, يقصد بذلك الآيات التي نزلت من فوق سبع سماوات.
ومن الدلائل أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ: (قد وافقت حكم الله)، أي: على بني قريظة عندما قال: تقتل مقاتلتهم، قال: (قد وافقت حكم الله من فوق سبع سماوات)، وكان ابن عباس يقول أيضاً: (ما بين الأرض والسماء الدنيا مسيرة خمسمائة عام, وبين كل سماء وأخرى ميسرة خمسمائة عام، ثم قال: وفوق ذلك الكرسي, وفوق الكرسي العرش, وفوق العرش الله جل وعلا, ولا يخفى عليه منكم شيء).
وكان هذا أيضاً اعتقاد التابعين, فقد كان مسروق يقول وهو يفسر الآيات: حدثتني عائشة التي برأها الله من فوق سبع سماوات، وهو قول مجاهد وعطاء وغيرهم، وهو قول الشافعي وأبي حنيفة ومالك والإمام أحمد.
أما أبو حنيفة: فقد جاءته امرأة فقالت: أنت معلم الناس الفقه, أسألك عن فقه أكبر, قال: ما هو؟ قالت: أين الله؟ -فهذا هو الفقه الأكبر: أن تعتقد في الله الاعتقاد الصحيح السليم- قالت: أين الله؟ فقال لها: ائيتني بعد أسبوع, ثم قال: الله فوق السماء, أو قال: فوق العرش، والعرش فوق السماء.
ومن قال: إن الله فوق السماء ولا يعلم ما عليه العباد فهو كافر؛ لأنه ضل في صفة من صفات الله وهي: صفة العلم.
وقال الإمام مالك: إن الله فوق عرشه، ولا يخفى عليه شيء من عباده.
وكان الإمام الشافعي يقول: إن الاعتقاد السليم الذي عليه الأئمة والعلماء: هو أن الله فوق عرشه بائن من خلقه.
وقالوا للإمام أحمد: ما رأيك فيمن يقول: إن الله ليس فوق العرش, قال: يكفر, أو قال: إن الله فوق العرش, أو كما قال رضي الله عنه وأرضاه.
فهذه إجمال الآثار التي ثبتت عن الصحابة وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.