للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اللوازم الباطلة من تفسير الاستواء بالاستيلاء]

لو فسرنا الاستواء بالاستيلاء, يلزم من ذلك لوازم باطلة: أولها: أن العرش لم يكن تحت ملك الله جل وعلا, ثم استولى عليه بعد ذلك، وهذا كفر مبين, فلو قال قائل: إن شيئاً قيد أنملة أو شجرة أو ورقة شجر ليست في ملك الله فقد كفر بذلك, إذ أحاط الله جل وعلا بكل كونه ملكاً وقدرة وعزة وقهراً سبحانه وتعالى.

إذاً من أول اللوازم الباطلة: إذا قلنا بأن الاستواء بمعنى الاستيلاء، أن العرش لم يكن في ملك الله, ثم استولى عليه, فهذا أول لازم من اللوازم الباطلة, وهذا كفر مبين.

ثانيها: القول بأن هناك أرباباً من دون الله, فلو قلنا: الرحمن على العرش استولى, لزم أن يكون هنالك رب آخر كان مستولياً على العرش, وحصلت المغالبة بين هذا الرب وهذا الرب, أو هذا الإله وهذا الإله, واستولى بعد ذلك الرحمن على العرش، بعدما أخذه منه, والله جل وعلا يقول: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} [الأنبياء:٢٢] فهذا اللازم الباطل أكفر من اللازم الأول, لأنه يلزم منه وجود أرباب من دون الله تنازع الله في ملكه سبحانه وتعالى.

فإن قالوا: هذه اللوازم نرفضها, وأنتم تريدون أن توقعونا في شر أعمالنا, وسنخرج منكم بكلام لطيف وهو أن معنى استولى: تم ملكه, أو مطلق التمليك, وليس الاستيلاء بالمغالبة, فنقول: الرحمن على العرش استولى, يعني: الرحمن دخل في ملكه العرش.

قلنا: لم خص الله جل وعلا العرش بالتمليك؟ فالشجر ملكه وكذلك البحر والسماء والشمس والنجوم, إذاً: لِم لمْ يقل الله جل وعلا: الرحمن على الشمس استوى أو الرحمن على الشجر استوى, أو الرحمن على البحار استوى؟ فالبحر ملك لله, والشمس ملك لله, والأرض ملك لله, والجبال ملك لله, فلا مزية بين الجبال وبين العرش, ولا بين البحر وبين العرش, فيلزم التساوي بينها وبين الآية، وهذا من أبطل الباطل, فبذلك يظهر لنا بطلان تأويلهم من أجل اللوازم الباطلة.

ثم نقول: نفرض أن هذا البيت عربي أصيل وأنه مسوغ لذلك, ونحن لم نكفره, فالتكفير للنوع دون العين, فمن حرف الكلمة عن موضعها بدون مسوغ من اللغة, هذا كفر؛ لأنه تكذيب لقول الله جل وعلا.

فمن قال في قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠] بمعنى: رحمة الله فوق أيديهم, أو قدرة الله فوق أيديهم، وهذا قول أهل البدع والضلالة، فهذا كفر مبين؛ لأنه مكذب, ولا يوجد مسوغ في اللغة.

فمن قال: هنالك مسوغ من اللغة، وهو أن اليد بمعنى النعمة، كقولهم: لولا يد لك عندي ما كافأتك عليها، وأيضاً في اللغة مسوغ بأن اليد هي القدرة، فالعرب يقولون: قبض على البلدة بيد من حديد، يعني: بقدرة أي: قدر على أهلها.

الغرض المقصود: أن اليد بمعنى القدرة لها مسوغ من اللغة, فإذا قالوا: بأن الاستواء بمعنى الاستيلاء وليس لهم مسوغ كفروا, وإن قالوا: المسوغ هذا البيت, قلنا: هذا البيت ليس بعربي أصيل، إذ إنه لشاعر نصراني قال: استوى بشر على العراق من غير سيف ولا دم مهراق.

ونحن نقول لهم: استوى بشر على العراق, بمعنى استولى بشر على العراق, هل هذا أصل فيها أم هناك قرائن تحيل اللفظ من ظاهره إلى المؤول؟ استوى بمعنى علا واستقر، والقرينة قوله: من غير سيف ولا دم مهراق, أي: حصلت هناك مغالبة ثم استولى على مقاليد الحكم في العراق, فنقول: هنا قرينة أولته, وفي الآية ليس ثمة قرينة, فبطل استدلالهم بذلك.

<<  <  ج: ص:  >  >>