[الرد على الاعتراضات على تفسير الاستواء بمعنى العلو]
قالوا: إن أبطلتم لنا الاستدلال, فعندنا لوازم باطلة نلزمكم بها إذا قلتم بأن الاستواء معناه العلو.
قلنا: هاتوا اللوازم هذه لعلنا نرجع عما اعتقدنا.
فقالوا: اللازم الأول: أنكم إذا قلتم: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] بمعنى: علا واستقر, لزم من ذلك أن العرش يمس الرحمن, ويحده، وكأن العرش أحاط بالله.
فإذا قلتم: إن لله حداً فهذا كفر.
فاللازم الأول أن الله جل وعلا إذا علا أو استوى على العرش, يحدث في ذلك المماثلة مع المخلوق، وأحاط العرش بالله جل وعلا, فإذا أحاط به فإن له حداً, فهذا أول لازم باطل, ونعوذ بالله من ذلك.
اللازم الثاني: قالوا: إذا قلتم {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] لزم من ذلك أن الله يحتاج إلى عرش, فإن العرش يقل الرحمن سبحانه وتعالى.
فعندما نقول: محمد استوى على الكرسي وهو يعطي الدرس, فلو سحب رجل الكرسي من تحته فإنه سيقع؛ لأنه محتاج إلى كرسي, فكذلك لو قلتم: استوى الرحمن على العرش, فإن العرش يقل الرحمن, والرحمن يحتاج للعرش, وحاشا لله من ذلك.
فنقول لكم: هذه اللوازم الباطلة نحن لا نعتقدها ولا نقول بها, نحن نقول بظاهر القرآن، ولا يمكن أن تكون لوازمه باطلة.
أما قولكم: إنه يلزم من معنى الاستواء أن العرش يحد الرحمن, فإننا نتعامل مع الألفاظ المبهمة في العقيدة، بأن نتوقف فيها فلا ننفي الحد ولا نثبته, فإن كان معنى استوى على العرش، بأنه علا على العرش وهو بائن من خلقه, ومنفصل عنهم، ويعلم ما هم عليه، فهذا حق.
وإذا قلتم: إن العرش أحاط بالله, نقول: حاشا لله, لأن الله أكبر من أن يحاط به، فهذا كفر مبين, والذي جركم لهذا تشبيهكم الخالق بالمخلوق, وتكييفكم لصفة العلو, لأنكم بهذه الطريقة كيفتم صفة العلو, ونحن قلنا: الكيف مجهول, فنفوضه لله جل وعلا, والله جل وعلا لم يره أحد، حتى يخبركم بهذه الكيفية.
فأصبح اللازم الأول باطلاً والثاني باطل والثالث أبطل ما يكون، فيرد عليكم هذا اللازم ولا نقول به.
فالله جل وعلا علا على العرش بكيفية يعلمها, وهي صفة كمال وجلال وعظمة وبهاء لله جل وعلا, والله يحيط بكل شيء، ولا شيء يحيط بالله سبحانه وتعالى.
أما اللازم الثاني فنقول: كل المخلوقات أحوج ما تكون لله, والله لا يحتاج لأحد, وهذا من لوازم اسمه الصمد.
والصمد: هو الذي يحتاج إليه كل العباد وهو لا يحتاج إلى أحد, قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥].
فالعرش أحوج ما يكون لله جل وعلا, والعرش لا يحمل الله, بل العرش نفسه محمول, يحمله ثمانية من الملائكة, فبطل هذا اللازم وبطلت أدلته.
ونقول: الله جل وعلا عالٍ على عرشه, وهو فوقه، ويعلم ما العباد عليه, لا تخفى عليه خافية سبحانه وتعالى، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر:١٩]، وهذا آخر الرد على الأشاعرة.
ونكون قد انتهينا من باب العلو.