إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
ثم أما بعد: ما زلنا مع حديث الشفاعة، وفي الكلام عن المقام المحمود العظيم الذي شرف الله به نبيه صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، في حين أن كل نبي يقول: نفسي نفسي، ويحيلها على غيره، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(أنا لها، أنا لها)، وفي بعض الروايات يقول:(أمتي أمتي)، وذلك رحمة وشفقة منه صلى الله عليه وسلم كما سنبين، ومن الأحاديث التي أوردها المصنف: ما جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لكل نبي دعوة يدعو بها، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي في الآخرة).
إن من الفوائد العظيمة في حديث الشفاعة: حكم أهل الكبائر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي)، وفي بعض الروايات:(أنه يستأذن على ربه كثيراً، وكلما دخل على الله استأذن عليه، فسجد فحمد الله بمحامد يعلمه الله إياها ما كان يعلمها وهو في الدنيا، فيحمد الله بها، ويثني عليه بها، فيقال: يا محمد! ارفع رأسك، وسل تعطى، واشفع تشفع، فيقول صلى الله عليه وسلم: أمتي أمتي، ثم يأمره الله أن يذهب فيخرج من النار من قال: لا إله إلا الله، أو من في قلبه مثقال ذرة من إيمان)، يعني: من أصحاب الكبائر وغيرهم، لكن الأصرح منه قوله عليه الصلاة والسلام:(شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي).
فهذه الآية تبين لنا المعتقد الصحيح لأهل السنة والجماعة، الذين يعتقدون أن أهل المعاصي والكبائر ليسوا كفاراً، وأنهم ليسوا مخلدين في نار جهنم أبداً، بل هم في مشيئة الله جل في علاه، إن شاء غفر لهم، وإن شاء عذبهم بذنوبهم، ثم مآلهم بعد ذلك إلى الخلود في جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.