يقول تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨]، قال أهل العلم في تفسير هذه الآية: هو عامة يراد بها الخصوص أو هي عامة مخصوصة؛ لأن هناك أموراً أو أشياءً لا تهلك، فليس كل شيء هالك، بل إن معنى الآية: كل شيء قابل للهلاك، وهناك أشياء غير قابلة للهلاك، فوجه الله وذاته المقدسة تبقى، ويبقى أيضاً ثمانية أشياء: الجنة، والنار؛ لأن الله خلق الجنة للبقاء وخلق النار للبقاء كذلك فهما لا تفنيان، ومما يبقى كذلك اللوح المحفوظ والقلم، والكرسي، والعرش، وعجب الذنب الذي ينبت منه الإنسان بعد أن ينزل الله على الأرض مطراً كمني الرجال والأرواح، فأرواح المؤمنين في عليين وأرواح الكافرين في أسفل سافلين، فتبين أن قول الله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] يعني: قابل للهلاك، ونظائر ذلك في الشرع كثيرة، منها قول الله تعالى:{تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ}[الأحقاف:٢٥].
فقوله تعالى:((تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ))، ورد فيه لفظة (كل) وكل نص في العموم ومع ذلك قال تعالى: ((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ))، فالمساكن لم تدمر، فيكون معنى الآية: كل شيء قابل للتدمير بالريح، فالريح لا تدمر المساكن وهي غير الأعاصير التي تحدث للكفرة في أيامنا هذه، إذ إن هذه آية من آيات الله جل وعلا، فمعلوم أن الأصل في الرياح أنها لا تدمر المساكن لقوله تعالى:((فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ)).
ومن نظائر ذلك أيضاً قول الله تعالى عن الملكة بلقيس:{وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ}[النمل:٢٣]، فليس المعنى أنها أوتيت من كل شيء، فهي مثلاً لم تعط ما خص به الرجال عن النساء من لحية وغيرها، وإنما أوتيت من كل ما يمكن لملكة أن تعطاه، وبذلك يعلم أن قول الله تعالى:{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}[القصص:٨٨] ليس على عمومه، بل هناك أشياء تبقى منها ذات الله المقدسة والوجه وثمانية أشياء خلقت للبقاء وسبق ذكرها.
وقوله تعالى:{وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧] يدل على بقاء وجه الله، وإذا بقي وجه الله جل وعلا لزم أن تبقى ذات الله جل وعلا، وأيضاً يستلزم من ذلك أن العمل الصالح لا يفنى، بل يبقى حتى يثاب عليه المرء؛ لأن أي عمل ابتغي به وجه الله يأخذ نفس الحكم ويبقى حتى يثاب عليه المرء الثواب العظيم.