للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[بشرية الرسل]

إن الرسل بشر كما نحن بشر، رداً على من يقول: إن محمداً من نور وإن عيسى ابن الله وإن عزيراً ابن الله حاشا لله جل في علاه، الرسل بشر مثلنا ينسون كما ننسى، ويأكلون كما نأكل، ويشربون كما نشرب، ويقضون حاجتهم، ويجامعون نساءهم، ويفتقرون ويبتلون بلاءات شديدة، قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ} [الكهف:١١٠] فبشرية الرسول الله صلى الله عليه وسلم معلومة، وأيضاً قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ} [الأنبياء:٨] يعني: جعلناهم جسداً يأكلون الطعام فهم بشر، وأيضاً بين الله جل وعلا لرسوله بأن قبله رسلاً كانت لهم أزواج وذرية، فقال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] فهم من البشرية بمكان.

وأيضاً مما يدل على بشرية الرسل أن إبراهيم عليه السلام ألقي في النار، ويونس عليه السلام ابتلعه الحوت، والنبي صلى الله عليه وسلم ضرب بالحجارة وأدميت بذلك رجله الشريفة صلى الله عليه وسلم، فكل هذه الابتلاءات تدل على بشرية الرسل، وليس لواحد أن يقول: إن محمداً قد خلق من نور، أو يقول: إن عيسى روح من الله، أو: إن عزيراً ابن الله، حاشا لله، فهو الواحد الأحد الفرد الصمد.

فقول آدم عليه السلام: (أكلت من الشجرة) لحاجته وحاجة البشر إلى الطعام، فهذه دلالة على بشريته، وأيضاً قوله: (فعصيته) دلالة على بشريته؛ فإن كل بشر جبل على المعصية، وقد جاء في الحديث: (لو لم تذنبوا وتستغفروا لذهب الله بكم، ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون فيغفر لهم)، إذاً: كل إنسان أرسله الله إلى البشرية فهو بشر منهم، والله جل وعلا ما أنزل ملكاً؛ لأنه لو كان في الأرض ملائكة لبعث ملكاً، ولأن البشر لا يستطيعون أن ينظروا إلى الملك ولا يستوعبوا ما يقوله، من قوة وعظمة خلق الملائكة.

<<  <  ج: ص:  >  >>