[معنى قاعدة: كل عبادة ثبت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك وأمثلة عليها]
هذه قاعدة مهمة جداً: فكل عبادة ثبتت بالشرع أنها عبادة فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفاً فليحلف بالله) قوله: (فليحلف) هذا أمر من النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدل على الوجوب، وإنما على الاستحباب فلا يجب على الإنسان أن يحلف كلما تكلم، لكن نقول: طالما وهو على الاستحباب وهو أمر من الشارع فالله لا يأمر إلا بما يحب، وقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك).
ومفهوم المخالفة في الحديث: أنه من حلف بالله فقد أتى بالتوحيد، فهذا دليل على أن الحلف عبادة، وأن صرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
وكذلك الصلاة عبادة، فمن صرفها لغير الله فقد أشرك.
وأيضاً: الطواف عبادة، فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك.
والدليل على أنها عبادة: قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:٢٩]، ووجه الدلالة: أن الله لا يأمر إلا بما يحب، وكل ما يحبه الله جل وعلا فهو من العبادة، والذي يطوف بالقبور كقبر السيدة زينب، وقبر البدوي وقبر عبد القادر الجيلاني فهذا قد وقع في الشرك؛ لأن الطواف عبادة.
كذلك: الذبح عبادة، والدليل هو قوله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ} [الأنعام:١٦٢].
فإذا اشترى الرجل سيارة جديدة وذبح لها ذبيحة، وسمى الله فقال: باسم الله والله أكبر، أو ذبح للولي، فهذا يعتبر ذبحاً لغير الله؛ لأن الله يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِيْ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢] إذاً: فالذبح لولي أو لملك معظم يكون شركاً.
أما إذا جاءك رجلٌ عزيز عليك فذبحت له فلا يقال: إن هذا الذبح شرك، ولا يقال: توحيد، ولكن يقال: هذا من الكرم، لكن إذا ذبح شخص لقدوم الملك، والملك لا يجلس عنده إلا مدة السلام فقط، ثم لما ذهب ذلك الرجل العزيز عليه رمى هذه اللحم ولم يأكله أو يوزعه، فكأنه ذبح تشريفاً لقدومه فقط، فهنا يقع في الشرك.
أيضاً: قد تبين في الشرع أن الاستغاثة عبادة، وأن صرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك، فمن استغاث بغير الله فقد أشرك، ومن استغاث بعيسى فقد أشرك، ومن استغاث بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد أشرك، ومن استغاث بإبراهيم فقد أشرك؛ لأن الاستغاثة لا تكون إلا بالله جل في علاه.
جاء في الحديث: (فاستغاثوا بآدم)، وكذلك في الآية {فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:١٥].
أقول: هناك استغاثة أباحها الله جل في علاه بشروط وقيود فما حكم هذه الاستغاثة؟ نقول قبلها: إن الله ورسوله قد ذكرا هذه الاستغاثة، كما في الآية والحديث وأقرَّاها، والله تعالى ورسوله لا يقرَّان الشرك.
وأما شروط الاستغاثة المباحة فتُعْلَمْ من خلال الاستقراء، فالرجل المستغيث بموسى لما استغاث به كان موسى حياً فهذا أول شرط، وكان موسى حاضراً، هذا شرط ثانٍ، فاستغاث به الرجل ولموسى القدرة على ذلك كما قال تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} [القصص:١٥].
إذاً: فالرجل نظر إلى موسى فوجده حياً حاضراً قادراً فاستغاث به، وكذلك في الحديث لما استغاثوا بآدم، فإنه كان حياً حاضراً، وكانوا يظنون أنه قادر على أن يشفع لهم، لكنه امتنع واعتذر لهم بأن له ذنباً يمنعه من الشفاعة.
إذاً: من خلال ما سبق، نفهم أن الاستغاثة بالمخلوق مباحة بشروط وهي: أن يكون المستغاث به حياً حاضراً قادراً على الشفاعة.
ولكن لو جاء إلى رجل وقال له: أجدبنا، فاتق الله فينا وأنزل علينا المطر، فهذه استغاثة شركية؛ لأنها استغاثة بحي حاضر، لكنه غير قادر على ذلك.