الوجه الثابت لله تعالى صفة تليق بجلاله له أوصاف، ثبتت في الكتاب وفي السنة، وحينما يعتقد المسلم هذه الأوصاف فإنه يعرف كيف يتعبد لربه بهذه الأوصاف.
الوصف الأول في الكتاب: قال الله تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧]، فقد وصف هذا الوجه بأنه:{ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ}[الرحمن:٢٧]، فوجه الله موصوف بالجلال، وموصوف بالإكرام، ومعنى الجلال العظمة والسلطان، فالمعنى: أن العظمة كلها لله جل وعلا، وأن السلطان لله جل وعلا بأكمله.
الوصف الثاني: الإكرام، والإكرام مصدر أكرم، وقولنا: وجه الله مكرم أي: أننا نكرم وجه الله، ولا يعني ذلك أن الله جل وعلا يحتاج لأحد أن يكرمه حاشا لله، بل إن إكرامك أنت لوجه الله يعني: الثناء عليه بالأسماء الحسنى والصفات العلى، فثناؤك على الله إكرام لوجهه جل وعلا؛ لتنال جزيل الثواب، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول:(ما أحد أحب إليه العذر من الله، ولذلك أرسل الرسل، وما أحد أحب إليه الثناء من الله، ولذلك أمر عباده أن يمدحوه)، وفي الحديث:(قال: حمدني عبدي، أثنى علي عبدي) فالثناء عبادة من أجل العبادات، فوجه الله مكرم أي: مثنى عليه به من عباد الله الصالحين، فأنت تثني على الله فتقول: رب له الجمال وله الكمال وله وجه يوصف بأنه له الكمال وله الجلال.
كما ثبتت صفة الوجه في الكتاب فقد ثبتت أيضاً في السنة كما تقدم، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(رداؤه الكبر أو الكبرياء على وجهه، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)، وسبحات وجهه أي: أنوار وجهه، وكما أن وجه الله له الجلال، وله الإكرام، فوجه الله له نور، ونور وجه الله جل وعلا لو بلغ البشر لأحرقهم، وصفة الأنوار لوجه الله تعالى تجر المرء أن يقدر الله حق قدره، ولذلك عاب الله على قوم لم يعظموا الله حق عظمته، قال:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}[الأنعام:٩١]، وقال أيضاً:{مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا}[نوح:١٣]، فأنت لو علمت أن لربك الإجلال والإكرام والسلطان وأن له وجهاً له أنوار فلا بد أن تكرم هذه الوجه وتعظم الله حق التعظيم، ولذلك نرى أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ذلك في نفوس العباد فقال:(لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) فأنت من تعظيمك وتقديرك لجلال الله ولسلطان الله ولعظمة وجه الله لا تسأل بوجه الله إلا أغلى شيء أنت تحتاج إليه وهو الجنة، فلا تسأل الله بوجهه إلا الجنة، ولذلك يعاب على امرئ يريد اللقمة أو اللقمتين أو الدرهم أو الدرهمين فيسأل بوجه الله، وهذه خسة، فالصحيح أن المرء لا يسأل بوجه الله إلا شيئاً عظيماً، وإن سئل بوجه الله فلا ينبغي أن يرد السائل بل يعطيه، من باب تعظيمه لوقار الله ولجلال الله ولكمال الله.