أسباب ضحك الله كثيرة، أولها: أن الله جل وعلا يضحك عندما يرى السخاء والجود من العبد، كما في البخاري أن أضيافاً جاءوا النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن عنده ما يضيفهم به، فضيف رجل من أصحابه الأنصار هؤلاء الأضياف، ولم يكن عنده في البيت إلا طعام أهله، فقدم لهم الطعام، فالله جل وعلا عجب من هذا الفعل، وضحك إلى هؤلاء، وأنزل:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:٩]، فهذا الرجل جعل ضيف رسول الله أكرم عليه من نفسه، فقدم له طعامه وطعام أهله، فضحك الله من هذا الصنيع، فهذا سبب من أسباب ضحك الله جل في علاه، فكل جواد كريم فإن الله يضحك له.
ويضحك الله سبحانه إلى الشهيد، فلنعم المباهاة، ولنعم المثوبة، ولنعم الجزاء الذي يجازى به الشهيد، وقد جاء رجل من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصف، فيقول: يا رسول الله! ما الذي يضحك ربنا؟ -أي: أن الصحابي يعتقد هذه العقيدة الصحيحة وهي أن الله يضحك- قال:(أن تدخل مقبلاً غير مدبر بغير درع -أي: على الصف الكافر، فتبيع نفسك رخيصة لله جل في علاه، زاهداً في نفسك، ورضاً لربك جل في علاه- فتقتل، فقال: هذا يضحك الرب؟ قال: نعم، قال: لم نعدم من رب يضحك خيراً، فدخل فقاتل فقتل).
أيضاً من الأسباب التي يضحك الله منها ما جاء عن النبي صلى أنه قال:(يضحك ربكم من رجلين يقتل أحدهما الآخر، ثم يأخذ القاتل بيد المقتول ويدخلان الجنة)، وتفسير ذلك أن الرجل الأول كان مسلماً، فكان يقاتل في سبيل الله اعلاءً لكلمة الله، وكان الآخر كافراً يقاتل للشيطان، فقتل هذا المسلم، فأصبح من الشهداء عند الله جل وعلا، ودخل الجنة بشهادته، كما نظن ذلك بإذن الله، والكافر أسلم بعدما قتل المسلم، وامتلأ قلبه بالإيمان، فمات قتيلاً شهيداًً، فالله جل وعلا أمر هذا القاتل الأول أن يأخذ بيد القاتل الثاني فيدخلا الجنة، وضحك الله من الرجلين أن القاتل لا يمكن أن يدخل الجنة، وحتى المؤمن إذا قتل المؤمن، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا}[النساء:٩٣]، إلى آخر الآيات، فالله جل وعلا يبين أن المؤمن يخلد في النار إذا قتل المؤمن.
ومما يضحك الله سبحانه شهود الربوبية في القلب، كما جاء في حديث مسلسل عن علي بن أبي طالب في دعاء ركوب الدابة وهو:(بسم الله الحمد لله: {سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ}[الزخرف:١٣]، الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، رب إني ظلمت نفسي ولا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك علي بن أبي طالب، والراوي عنه حدث بهذا الحديث وضحك، وقال: حدثني علي فضحك، ثم قال علي حدثني رسول الله فضحك، فسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ما الذي أضحكك؟ قال: ضحك الله من عبده يقر بأن له رباً يأخذ بالذنب ويغفر).
فشهود الربوبية في القلب سبب من أسباب ضحك الرب جل في علاه.
وأيضاً: من الأسباب التي يضحك الرب جل في علاه منها: قنوط العباد مع قرب الفرج، ففي الحديث أنه قال:(ضحك ربنا تبارك وتعالى من قنوط عباده وقرب غيره)، فبعد الشدة التي مستهم قنطوا من فرج الله جل وعلا على العباد، فيضحك الله جل وعلا من عباده كيف يقنطون والفرج قريب، وفي هذا دلالة على أنهم لا يعلمون الغيب.
فالله سبحانه يضحك ضحكاً لا يشابه ولا يماثل ضحك المخلوقين.