الشفاعة شفاعتان: شفاعة دنيوية، وشفاعة أخروية: أما الشفاعة الدنيوية: فهي التوسط من الصالح أو من الوجيه لبعض إخوانه لجلب منفعة أو دفع مضرة.
كأن يتوسط رجل وجيه عند ولي الأمر لشخص ما لدفع مضرة أو عقوبة أو لجلب منفعة لهذا الشخص.
هذه الشفاعة الدنيوية جائزة، بل ويؤجر عليه المرء، ودليلها من الكتاب:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ}[النساء:٨٥]، ومن السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم:(اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء)، فمن شفع لأخيه في تفريج كربة فرج الله كربته يوم القيامة، ومن شفع لأخيه في حاجة آتاه الله أفضل مما شفع فيه.
لكن لنا ملحظ مهم جداً، وهو أن بعض الذين يشفعون لتيسير أمور معينة يأخذون على هذه الشفاعة أجرة، وهذا لا يجوز؛ لأن الشفاعة عبادة، وكل عبادة أجرها على الله جل في علاه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:(اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء).
والأصل في العبادات ألا يؤخذ عليها أجرة أبداً، كما قلنا في الإمامة والأذان وتعليم القرآن، كل ذلك لا يجوز أخذ الأجرة عليها، إلا المستثنى منه بالأدلة الشرعية التي ليس هذا بابها.
الغرض المقصود أن الأصل في الشفاعة والتوسط للغير أنه لا يجوز للمرء أن يأخذ عليه أجراً.
ولا تجوز الشفاعة في حد من حدود الله جل في علاه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ينتصر لنفسه قط، وما كان يغضب لنفسه قط، إلا أن تنتهك محارم الله، ففي الحديث:(كانت امرأة من بني مخزوم تجحد العارية، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقيم عليها حد السرقة، وهو: قطع اليد، فقالوا: من يشفع عند رسول الله؟ فقالوا: حب رسول الله أسامة بن زيد فقام أسامة -وهو لا يعلم أن هذا لا يجوز- فكلم رسول الله في شأن المرأة المخزومية، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال: أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها).
إذاً: الشفاعة لا تجوز في حد من حدود الله جل في علاه إذا وصلت وبلغت إلى ولي الأمر.