للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاشتراك في الاسم لا يدل على التساوي في المسمى]

يجب علينا أن نعتقد اعتقاداً جازماً: أن لله صفة خبرية نؤمن بها ونعتقدها بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تعطيل، هذه الصفة الخبرية هي صفة وجه الله جل وعلا، وأن نرد على المعطلة والمشبهة الذين خافوا من أن يقعوا في التشبيه فنفوا هذه الصفة بقاعدة -شرحناها سابقاً ونزيد فيها تفصيلاً اليوم- هي: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم إثبات المسمى، ويجب أن نقول قبل هذه القاعدة: إن من صفات وجه الله جل وعلا: أن وجه الله له البقاء لم يزل متصفاً بالوجه ولا يزال؛ لأن صفات الله الخبرية أزلية أبدية، كما قال تعالى: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:٢٧]، أما وجوه البشر فإلى زوال وإلى فناء، وقال سبحانه: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:٨٨] سبحانه وتعالى.

أما القاعدة التي تقول: إن الاشتراك في الاسم لا يستلزم الاشتراك أو التساوي في المسمى، فمعناها: أن الله سبحانه قد سمى نفسه بأسماء مماثلة لأسماء البشر، وكذلك الصفات، فلله يد وللبشر أيدي، كما قال تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح:١٠]، ولله سمع وبصر وكذلك الإنسان، فإنه يوصف بأنه سميع بصير، والله أيضاً يسمي نفسه بالغني وبعض البشر يطلق عليه اسم الغني، قال الله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحج:٦٤]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإن هم أطاعوك فأخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم).

وأيضاً: يسمى الله تعالى ويوصف بأنه كريم، ويوصف كذلك كثير من البشر بالكرم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم عن الله جل وعلا: (إن الله حيي كريم)، فيد الله ويد البشر، وسمع الله وسمع البشر، الاشتراك هنا في الاسم لا يستلزم الاشتراك في المسمى، فيد الله ليست كيد المخلوق، فعندما تمثل يد الإنسان بيد غيره من الحيوانات فإننا نجد أنها تختلف عن يد الحيوانات في سائر الصفات، فللإنسان يد وللفيل يد وللقرد يد وللأسد يد وللجمل يد، فهل يد الإنسان كيد الفيل، أو يد الفيل كيد القرد أو كيد الجمل؟ هناك تفاوت وتباعد مع أن هذه يد وهذه يد وهذه يد، فالاشتراك في الاسم لا يستلزم الاشتراك في المسمى، وأشرف هذه الأيادي هي يد البشر بالنسبة للمخلوقات، فإن كان هذا بالنسبة للإنسان فالله أجل وأعلى وأولى بالكمال سبحانه وتعالى، فيد الله لا تماثل ولا تشابه يد المخلوق، بل يد المخلوق لا يمكن أن ترتقي إلى يد الله جل وعلا، ونحن نعتقد هذه الصفة تحت قاعدة مهمة جداً منبثقة عن آية كريمة وهي: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:١١]، فلله يد لكنها يد تليق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى، ولله وجه كما أن للإنسان وجهاً، لكننا لا نستطيع أن نساويه بوجه البشر؛ لأننا تحت هذه القاعدة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١]، فوجه الله يليق بجلاله وعظمته وبهائه سبحانه وتعالى، أما وجه البشر فهو يليق بنقصه وبضعفه، وأجلى ما يكون في ذلك: أن الله سمى نفسه تواباً فقال: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا} [النساء:١٦]، وتجد من البشر من هو تواب، قال صلى الله عليه وسلم: (كل ابن آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، فوصف الإنسان بالتواب، وقال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة:٢٢٢]، والبون شاسع بين أن يكون الله هو التواب وبين أن يكون المخلوق هو التواب، فمعنى التواب في حق الله: أنه يتوب على عباده، ويرزقهم، ويلهم في قلب العاصي التوبة؛ ليتذلل ويئوب إلى ربه جل وعلا فيقبل منه هذه التوبة، فتوبة العبد محفوفة بتوبتين: توبة قبلية: وهي التوفيق والسداد له بأن يتوب، وتوبة بعدية: وهي أن يقبل الله توبته، وهذا معنى التواب في حقه سبحانه وتعالى، أما تسمية العبد بالتواب؛ فلأنه يعصي ويتعدى الحدود ثم يرجع فيئوب ويخضع ويتوب إلى الله جل وعلا، فهناك بون شاسع بين صفات الله جل وعلا وبين صفات البشر، وهذه الحقيقة تتجلى بها القاعدة التي بيناها: أن الاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى.