للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[علاج التطير]

فإذا ابتلي امرؤ بهذا التطير وأراد أن يداوي نفسه من هذا التطير؛ لأنه ذريعة إلى الشرك الأكبر، فالعلاج سهل يسير بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في بعض الأحاديث -مدرجاً- عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: (وما منا من أحد إلا، ولكن يذهبه الله بالتوكل).

إذاً: فالعلاج الأول: هو عمق التوكل وحسن التوكل على الله جل في علاه في كل الأمور، والثقة بأن الله هو الذي يرفع ويخفض، وأن الله هو الذي يعطي ويمنع، وأن الله مالك هذا الكون، مع حسن الأخذ بالأسباب، قال تعالى: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأنعام:١٧]، وفي آية أخرى قال: {فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ} [يونس:١٠٧].

فإن اعتقد المرء هذا الاعتقاد الجازم بأن مقاليد الدنيا بأسرها بيد الله فلن يتوكل إلا على الله.

وأما الأخذ بالأسباب فالدليل على ذلك: فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هناك متوكل على الله مثل رسول الله، فهو أكثر الخلق توكلاً على الله، فإنه إذا أراد غزوة ورى بغيرها، ولما أراد الهجرة أخذ خرِّيتاً ماهراً حتى يبين له الطريق، وهو مع ذلك متوكل على الله جل في علاه، وأيضاً لما هاجر سلك طريقاً غير الطريق الذي يتخذه الناس، هذه دلالة على حسن الأخذ بالأسباب، مع أنه يقيناً يعلم أن الله سينقذه، وأن الله لن يجعل لهم سبيلاً عليه، وأن الله سينصره، وأن الله سيمكن لدينه، لأنه قال لـ فاطمة رضي الله عنها وأرضاها: (ما على أبيك بأس)، وقال: (لا يترك هذا الدين بيت مدر ولا وبر إلا دخله بعز عزيز أو بذل ذليل)، وقد قال هذا وهو في مكة.

العلاج الثاني: أن يمضي قدماً؛ لأن الطيرة التي يحاسب عليها المرء هي ما أمضته أو ردته عن العمل، كما جاء في بعض الآثار وصححها بعض العلماء: (الطيرة ما أمضاك أو ما ردك).

فلو وجدت ما تتشاءم به فلا تعبأ به، واجعله خلف ظهرك وسر قُدُماً، وأحسن الظن بالله جل في علاه، فسيأتيك الخير.

العلاج الثالث: هو أن تدعو بالدعاء الذي علمك النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليذهب الله عنك هذه الطيرة، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من وجد ذلك في قلبه فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك).

وهناك دعاء آخر: (اللهم لا طير إلا طيرك، ولا خير إلا خيرك، ولا إله غيرك).

ومعنى (لا طير إلا طيرك) أي: أن الطير الذي يحلق في السماء لا يملك نفعاً ولا ضراً، بل هو بيدك يا رب! فأنت الذي تتحكم في هذا الكون.

<<  <  ج: ص:  >  >>