[اختلاف أهل السنة هل لله يد شمال]
اختلف أهل السنة والجماعة هل لله يمين وشمال؟ فكثير من أهل السنة والجماعة يثبتون لله اليمين ويثبتون له الشمال، ودليلهم على ذلك ما جاء عن سالم بن عبد الله بن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله جل وعلا يطوي السماوات بيمينه، وبشماله الأراضين) فذكر الشمال، وأيضا هناك رواية عن ابن يسار عن عمر بن الخطاب أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله جل وعلا مسح على ظهر آدم باليمنى فأخرج الذرية، فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وبشماله أخرج الذرية، فقال: هؤلاء للنار ولا أبالي).
فالرواية الأولى أثبتت أنه يطوي الأراضين بشماله، والرواية الثانية عن عمر فيها أن الله يمسح على ظهر آدم بشماله، فأثبت له اليد الشمال، فمن أهل السنة والجماعة من قال: يوصف الله تعالى بأن له يداً شمالاً، وأنها تليق بجلال الله وكماله، وإذا كانت اليد الشمال بالنسبة للعباد فيها نقص فاليمنى عندهم أقوى من اليسرى، واليسرى فيها شيء من الوهن، فالله ينزه عن كل نقص، فإذا وصف الله بها دلت على الكمال والعظمة والبهاء.
وجمهور أهل السنة والجماعة -وهو الذي نرجحه- على أن الشمال لا يوصف بها الله جل وعلا، ابن خزيمة يرى في كتابه أن الشمال لا يوصف بها الله جل وعلا، وأيضا درج على ذلك البيهقي والقرطبي، ورجح ذلك النووي والحافظ ابن حجر أن الله لا يوصف باليد الشمال.
واستدلوا على ذلك بأدلة منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما تحدث عن يدي الله لم يذكر إلا اليمين فقال (يمين الله ملأى سحاء الليل والنهار لا يغيضها نفقة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (وكلتا يدي ربي يمين)، وقال آدم عليه السلام لما خيره الله جل وعلا: (أختار يمين ربي وكلتا يدي ربي يمين)، وهذا إقرار من الله لآدم على أن كلتا يديه يمين.
وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال صلى الله عليه وسلم الله عليه وسلم: (أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب) مع أن الله أول ما خلق القلم أخذه بيمينه، فقال: وكلتا يدي ربي يمين.
فكل هذه الأدلة تثبت أن كلتا يدي الله يمين، فهذا تصريح من النبي صلى الله عليه وسلم ومن آدم عليه السلام، وابن عباس رضي الله عنه وأرضاه يقول: وكلتا يدي ربي يمين، وأيضا حديث: (المقسطون -الذين يعدلون- على منابر من نور على يمين الرحمن)، فهذه الأدلة كلها من الآثار الصحيحة الصريحة تصرح بأن كلتا يدي الله جل وعلا يمين، فهذا يضعف لنا قول من قال: بأن الله له يد شمال؛ لأن كل الروايات تدل على أن كلتا يديه يمين، فالصحيح الراجح أن الله جل وعلا لا يوصف بالشمال أثراً ونظراً.
فأما الأثر: فما أوردناه من الآثار والأحاديث التي تثبت بأن كلتا يدي الله يمين.
وأما من النظر فإن هناك قاعدة مهمة لطلبة العلم وهي: كل صفة توهم نقصاً فإننا ننزه الله عنها، كالخيانة فإنها نقص فلا يمكن أن نصف بها الله تعالى، وكذلك لا يجوز أن يقال: إن الله ماكر؛ لأن إطلاق المكر على الله يوهم أنها صفة نقص، ولكن إذا كانت من باب المقابلة فيجوز، كأن يقال: إن الله يمكر بالماكرين، ويخطئ بعض الذين لا يعرفون عن العقيدة شيئاً عندما يقولون: لا تخشى، فإن الله ضار وسيضر الظالمين، ويقولون: يا ضار ضر الظالمين، وهذا سوء أدب مع الله جل وعلا، فلا يجوز أن يقال عن الله جل وعلا: الضار ويُسكت، بل لابد وأن يقرن معه: النافع، فيكون: الضار النافع؛ لأن إطلاق الضرر يوجب نقصاً في حق الله، وأي صفة توجب نقصاً إذا أتصف بها الله جل وعلا وجب علينا أن ننزه الله جل وعلا عنها.
فلا بد إذاً أن نقرن مع الصفة صفة أخرى، فنقول: الخافض الرافع، المحيي المميت، الأول الآخر، الظاهر الباطن، فكل صفة توهم نقصاً فلا بد أن ننزه الله عنها، والشمال يوهم نقصاً، والعرب الأقحاح يعتبرون اليد اليسرى أو الشمال نقصاً، ولذلك لا بد أن ننزه الله عنها.
وأما إذا ثبت الحديث الدال على أن لله يد شمال فنقول: إنها تليق بجلال الله وكماله، ولكن إذا لم يثبت الحديث نقول: هذا نقص، ولم يأت دليل يدل على ذلك، والصحيح الراجح أنه لا يوصف الله جل وعلا بالشمال، فكلتا يديه يمين، من اليمن والبركة، وهي يمين حقيقة.