[إثبات أن لله تعالى عينين، والجمع بين الروايات في ذلك]
إذا أثبتنا لله جل وعلا عيناً تليق بجلاله وكماله فهي أكثر من عين وليست عيناً واحدة، وهذه دلالة القرآن، فقال: ((عَلَى عَيْنِي)) بالإفراد، وقال: ((بِأَعْيُنِنَا)) بالجمع، فهل نثبت لله عيناً واحدة أم أكثر من عين؟
الجواب
أن الصحيح الراجح في ذلك أن السنة تفرق لنا بين الجمع وبين الإفراد، وتبين لنا عدد الأعين التي يتصف الله جل وعلا بها، فلله عينان ثابتتان كما سنبين.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم ليس بأعور)، وإذا نظرنا للآية الأولى قال: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي))، فجعلها عين واحدة، ثم قال: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] فجعلها جمعاً، فنقول: إن الإفراد والجمع لا مخالفة بينهما؛ لأن المفرد هنا مضاف، والمفرد المضاف -عند الأصوليين- يفيد العموم، فيشمل أكثر من واحد، قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:٣٤]، فذكرت النعمة هنا بالإفراد، مع أن نعم الله تعالى تترى لا تعد ولا تحصى، لكن (نعمة) هنا مفردة مضافة إلى الله جل وعلا، والمفرد إذا أضيف فإنه يشمل ويعم.
وهنا قال: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي))، إذاً فلا مخالفة بينها وبين (بأعيننا)؛ لأن المفرد المضاف يشمل الجمع.
فإذا قيل: إذاً فهذه الآيات تدل على أعين كثيرة.
فنقول: تحتمل أنها أعين كثيرة وتحتمل أن الجمع للتعظيم، وتكون لله عين واحدة أو أكثر من واحدة، والذي يبين لنا ذلك هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم ليس بأعور).
ووجه الدلالة من هذا الحديث من وجهين: الوجه الأول: أن العور في اللغة معناه أن يكون الرجل له عينان إحداهما معيبة والأخرى صحيحة، فيقال: هذا أعور، يعني: له عينان: عين منهما معيبة والأخرى صحيحة، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن ربكم ليس بأعور)، إذاً فله عينان، والأولى ليست معيبة والثانية أيضاً ليست معيبة.
وأما الدجال فله واحدة معيبة كما في الحديث السابق.
الوجه الثاني: أن المقام هنا مقام تمدح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدجال أعور)، فهو يبين عيبه، وهو في موقف مقارنة ومفارقة بين إلهية هذا المدعي المعيب وبين الإلهية الحقة التي تكون لله جل وعلا، فيقول: (إن الدجال أعور)، فمقام التمدح لله قال: (وإن ربكم ليس بأعور)، فإذا كان المقام مقام تمدح فإن تعدد الصفات يستلزم تعدد الكمالات، وكلما كثرت الصفات كثر الكمال، أما رأيتم بعض العلماء عندما يقول: الصفة إذا ضمت إليها صفة أخرى ازدادت كمالاً على كمال.
فإذا قلت: الغفور الرحيم البر الكريم فهذه أسماء كلها، وكل اسم منها يتضمن كمالاً، فضم الصفة إلى الصفة والاسم إلى الاسم يعدد الكمالات، فكون لله أكثر من عين هذا يدل على كثرة الكمالات، والمقام مقام تمدح، فبين لنا أقصى ما يتمدح به أن لله عينين.
ويستأنس في ذلك -كما قلت لكم- بالحديث الضعيف الذي جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن العبد إذا سجد يسجد بين عيني الرحمن)، فهما ثنتان.