إننا نثبت صفة العين لله بلا تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل، فالعين في اللغة معلومة، وهي لها كيفية لكن نحن نجهل هذه الكيفية، وهو سبحانه يعلم كيفية صفته، فالكيف بالنسبة لنا مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وأما أهل الضلالة والتحريف والتبديل الذين لا يعتقدون الاعتقاد السليم في ربهم، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: ((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي)) أي: على رؤيتي، وقد وقع بعض أهل السنة والجماعة في هذا التأويل، فقالوا في قول الله تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر:١٤] أي: برؤيتنا، فقالوا: ليس لله عين، قالوا: ولو أثبتم لله عيناً فقد شبهتموه بخلقه، إذاً فلا بد أن ننفي هذه الصفة.
والذين ضلوا في هذا الباب هم المشبهة والمعطلة والمحرفة، فالمعطلة هم الجهمية والمعتزلة، والمشبهة هم الذين غلوا في الإثبات، فشبهوا الخالق بالمخلوق، والمحرفة هم الأشاعرة الذين يقولون: نؤول، وهو تحريف وليس بتأويل.
فالجهمية المعطلة قالوا: لا نثبت لله عيناً، وهؤلاء عندهم غلو، وهم أيضاً يقولون: لا سمع ولا سميع، ولا بصر ولا بصير، فنفوا كل الصفات، فهؤلاء يرد عليهم بأنهم خالفوا ظاهر القرآن وظاهر السنة، وخالفوا أبناء الأمة، وأيضاً قدحوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا القدح يرجع إلى من حرف، وإلى من قال بالرؤية دون إثبات العين.
فنقول لهم: إن الله أنزل كتابه على رسوله ليبينه للناس: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل:٤٤]، ومن ضمن الذكر الذي نزل على رسوله ليبينه للأمة قول الله تعالى:((وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي))، وقول الله تعالى:{تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا}[القمر:١٤]، وقول الله تعالى:{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا}[الطور:٤٨]، فالواجب على الرسول في هذه الآيات التبليغ ثم التبيين.
فإذا قلتم: إننا لا نثبت العين وأن النصيب فيها الرؤية إذاً فرسول الله صلى الله عليه وسلم قد قصر في التبيين، فيلزمكم ذلك، وحاشاه صلى الله عليه وسلم، بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بلغ أتم البلاغ، وبيّن أتم البيان، ولما لم يبين النبي صلى الله عليه وسلم بأن العين ليست عيناً ولكنها رؤية، علمنا أنه قد أثبت لربه ما أثبته لنفسه وهي العين.
إذاً فالمعطلة خالفوا الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، فالاعتقاد الصحيح أن لله جل وعلا عيناً تليق بجلاله وكماله.