للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سائر مقتضيات هذا المنهج "التاريخي" على نصوص الوحي بصورة تدل على اعتقادهم العميق بعصمة وصحة هذا المنهج، وهم في "التاريخية" و"الهرمنيوطقيا" أتباع مخلصون لفلسفة مارتن هايدغر (١)، ومتعصبون للمنهج التاريخي، ويعتبرون أن المعرفة التاريخية هي الأداة الأساسية لدراسة النصوص والمصير الإنساني، ويرون أن المنهج التاريخي قادر على الكشف عن طبيعة النص وأصله ومقصوده، وعن طبيعة الإنسان ومصيره، وعن القيم التي تشكل الحافز الأساسى للإنسان، وقد أدان مجموعة من الفلاسفة هذه النزعة المتزمتة التي تعتقد أن بوسعها نقل علم التاريخ من علم تأملي إلى علم يستند إلى التجريب والاختبار عبر قاعدة اختبارية تتمثل في مجموعات الأحداث التاريخية، وخطورة هذه العملية تكمن في أنها تؤدي إلى الاعتقاد بوجود قوانين حتمية تاريخية تسير المجتمع، مع ما ينتج عن ذلك من اتجاهات فكرية وعملية للسيطرة على الثقافات والمجتمعات تحت حجة قيادته وتغييره وفقًا لهذه القواعد التي وصفوها بالحتمية.

وقد سلكت النازية ثم الشيوعية الماركسية هذا المسلك وقامت فلسفاتها على هذا الأساس، وتقوم عمليًا اليوم فلسفة الغوب اللبرالية على هذه النظرة القاطعة، وإن كانوا لم يقولوا ذلك نظريًا، إلّا أن واقعهم السياسي والثقافي والإعلامي يرتكز على هذا المفهوم في الجملة؛ ولذلك


(١) مارتن هايدغر ١٨٨٩ - ١٩٧٦ م، ١٣٠٦ - ١٣٩٦ هـ، فيلسوف ألماني، وبدأ دروسه عند الآباء اليسوعيين ثم واصل دراسة اللاهوت حتى حصل على الدكتوراه، انتمى إلى النازيين، وتتلمذ على الفيلسوف اليهودي هوسرل، وعنه أخذ الفهج الظاهراتي وأهدى إليه كتابه "الوجود والزمن"، ورغم أنه من المفكرين المعدودين في أوروبا في القرن العشرين إلّا أنه كان شديد التعصب لألمانيته لغة وشعبًا ووطنًا، ويرى أن شعبه هو الوحيد القادر على تجديد الفكر الغربي، أثر بأفكاره الظاهراتية وفلسفته في تأسيس علم الوجود على الفلاسفة الوجوديين وخاصة سارتر، وقد جعل هايدغر الوجود الإنساني هو الذي يكتشف من خلاله معنى الوجود، ويرى أن الموجود البشري قد قذف به في العالم ضد إرادته، وقد سبق تفصيل ترجمته بأوسع مما هنا في ص ١٢٦ من هذا الكتاب. وانظر: الموسوعة الفلسفية: ص ٤٩٧ - ٤٩٩، وموسوعة أعلام الفلسفة ٢/ ٥٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>