يحاولون بسط سيطرتهم ونفوذهم في أوسع قدر ممكن من الأرض، تحت حجج التحضير والعصرنة وحقوق الإنسان والنظام العالمي الجديد، والإرادة الدولية، وغير ذلك.
وهذه النظرة المتزمتة المتشددة في استخدام "التاريخية" وتعميم منهجها والقطع بنتائجها، إلى حد التقديس والحكم القاطع وجعلها حتمية لازمة صائبة النتائج في كل الأحوال، هي التي غرق فيها أركون وجابر عصفور وعزيز العظمة ونصر أبو زيد وسائر المعارضين للوحى والمشككين في صحته وثبوته ومقتضياته، وهم في كل ذلك ليس لهم إلّا دور الاستيراد والتبني (١).
لقد عاشوا وفي أعماقهم "منطقة فراغ" هائل بسب جهلهم بدينهم، وعجزت المناهج الغربية الوافدة أن تعطي لأصحابها اليقين وعوامل القوة والثبات، فاستمسكوا من هذه المناهج ما يظنون أنه يشكل لهم نقطة انطلاق، ومحور ارتكاز، فكانت "التاريخية" وغيرها من المناهج، وقد هربوا من تقديس المقدس حقيقة، فوقعوا في تقديس الأوهام والمناهج المتناقضة، ولا غرابة أن تجد منهم من يسلخ جلده ويغير موقفه بل وينقض بالشتائم والنقض لما كان يقدسمه من قبل؟ لانعدام الأسس والمعايير الاعتقادية الصحيحة التي يُمكن بها وزن الأمور بوضوح وموضوعية.
ومن أظهر موارد هؤلاء الذين يشككون في الوحي والنبوات "المورد الاستشراقي"، وقد تكلم المستشرقون كثيرًا عن التوحيد والوحي والنبوة، ودور الأديان ومهمتها في إطار من التشكيك والجحد للوحي والنبوة، ومحاولة تصوير الأنبياء على أنهم عباقرة ومصلحون تأثروا بالواقع الذي يعيشون فيه واستطاعوا استيعاب التراث القديم ثم صاغوه صياغة جديدة،
(١) انظر عن التاريخية والتاريخانية: معجم المصطلحات الأدبية لسعيد علوش: ص ٥٦، ومعجم المصطلحات والشواهد الفلسفية: ص ٤٨، وقاموس المصطلحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لسامي ذيبان: ص ١٠٨، والفكر الإسلامي قراءة علمية لأركون ١٣٢، ١٣٩، وإشكالية القراءة لنصر أبو زيد: ص ٣١، ٣٦.