فتلقف ذلك الإفعات من أبناء المسلمين فرددوه تحت حجج التاريخية والفيولوجية، وقالوا بأن القرآن نشأ في نفس محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- بتأثير البيئة التي عاش فيها، وقالوا بأن القرآن ليس وحيًا بل هو فيض من العقل الباطن، وأن محمدًا عليه الصلاة والسلام كان من الذكاء والعبقرية بحيث استطاع أن يصوغ هذه التأثيرات الباطنية في كلام، ثم يؤثر بها في الآخرين، ومؤدى ذلك أن القرآن ليس وحيًا بل هو من عمل البشر، وقد صرحوا بذلك، والهدف من هذه الدعوى قطع الصلة بين المسلمين والقرآن، تمهيدًا للاستيلاء التام عليهم، كما صرح بذلك غير واحد من الذين يديرون الصراع ضد العالم الإسلامي.
ولما كان الوحي هو حجر الزاوية في النبوات وفي الدين كله، فقد ركز عليه دعاة التغريب وأثاروا حوله الشبهات والشكوك، وساقوها في قوالب براقة من الأسماء والمصطلحات التي توهم بالدلالات الكبرى وهي لا تدل على شيء.
ومما لا ريب فيه أن محاولة النظريات المادية المستحدثة في جحد الوحي ومعارضته والتشكيك فيه كلها ستنال من الفشل والوهن أكبر النيل، وها نحن نرى أنها حازت على مميزات الفشل في واقع الأمم التي نشأت فيها هذه النظريات، وقادت إلى الدمار والضياع والفوضوية، وعارضها وناقضها وبين تهافتها آخرون من أولئك الأقوام، ولكن المستغربين من أبناء المسلمين تحت وطأة الهزيمة النفسية يسارعون فيهم ويتسولون على موائدهم، فإذا ظفر الواحد منهم ببنوية أو تاريخية أو وجودية أو سوريالية عاد بها فرحًا فرح الجعل بدحروجته!!.
وهذا كله على بشاعته وفداحته - لم يكفهم، بل طفقوا يهدمون كل ما يترتب على الإيمان بالكتب المنزلة من أحكام وعقائد وقيم، وخاصة القرآن الكريم الذي شرقوا بما فيه شرقًا، وقاومتهم حقائقه، وأخزتهم براهينه وأطفأت نيران مجوسيتهم المادية الإلحادية، أنوار هدايته ومعجزاته المستمرة الدائمة.