بمعناه إلى نبي من أنبيائه، أمّا الكتب المحرفة كالتوراة والإنجيل فإن الكلام هنا عن أصل نسبتها، ومصدر نزولها، وهذا حقيق بالاعتبار والاحترام، أمّا ما دخل عليها من تحريف وزيادة ونقصان، فقد بينا ذلك في الصفحات السابقة، وذكرنا أنه لا ينسب إلى اللَّه تعالى، وهو غير مراد بالكلام في هذا المقام؛ إذ هو من الكلام المختلق الذي لا احترام له ولا اعتبار في ميزان الحق.
ومن المهم أن نعرف كيف تسللت الضلالات الكفرية فيما يتعلق بنصوص الوحي إلى أبناء المسلمين، الذين ما كان أحد منهم يجرؤ على النيل من الفروع المستنبطة من نصوص الوحي فضلًا عن النيل من الوحي ذاته، بل كان الوحي عندهم من القداسة والاحترام بأرفع مقام.
حتى إذا خالطت بعضهم شبهات هذا العصر إثر التتلمذ على المستشرقين أو التلقي عن الغربيين، في أحضان استعمار يعادي هذه الأمة ويحاول اجتثاثها، بالجيوش، فإن لم يفلح فبالعملاء والأتباع الذين رباهم على عينه، ونشأهم على شبهاته.
فهاجت فيهم نيران الشبهات فأضحوا أئمة ضلال وإضلال داخلين في عموم قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ستكون أئمة من بعدي يقولون فلا يرد على قولهم، يتقاحمون في النار كما تقاحم القردة"(١).
وهو تشبيه بليغ يدل على حالهم الذي عاشوه؛ فإن من أخص أوصاف القردة التقليد للآخرين عن جهل وعمى، وهذا حال العلمانيين والحداثيين بمدارسهم العديدة المختلفة، مقلدة محاكون، وأتباع طيعون في أيدي أساتذتهم من الغربيين، تقاحموا في مناهج الإلحاد والشكوك كما تقاحم القردة، وأقبلوا يسفون قمائم المذاهب وزبالات الأفكار على أنها الهدى والخير، معرضين عن الحق معارضين له مستكبرين عنه.
(١) أخرجه أبو يعلى في مسنده عن معاوية ٣/ ٣٦٧ حديث رقم ٧٣٧٧، والطبراني في الكبير ١٩/ ٣٤١ حديث رقم ٧٩٠، وهو في صحيح الجامع ١/ ٦٧٦ حديث رقم ٣٦١٥ بهذا اللفظ.