للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشهورة: "متى توارى القرآن ومدينة مكة عن بلاد العرب، يُمكننا حينئذٍ أن نرى العربي يتدحرج في سبيل الحضارة -يعني الحضارة المسيحية- التي لم يبعده عنها إلّا محمد وكتابه") (١).

ثم أعقب ذلك ما أعقبه من استيلاء على منابر الفكر والتربية والتعليم في مصر، ثم على منابر الصحافة والإعلام، ووضعت الخطط المدعومة من دول الغرب لدفع هذه الأمة في متاهات لا نهاية لها إلّا الإنغماس في ظلمات الانحراف والجهل والتهتك، وكان من أقوى أسلحتهم لإيجاد هذا الفراغ أخذ أو "بعث" بعض أبناء المسلمين إلى بلاد الغرب ليعودوا من هناك وكل همهم زحزحة الأجيال عن تراثها ودينها ولغتها وتدمير المناعة الذاتية في مقاومة الغزاة، وإيجاد الفراغ الاعتقادي والفكري والروحي تمهيدًا لاستنبات بذور النصرانية والوثنية واليهودية والمادية الإلحادية.

عاد المبتعثون من الغرب وقد اتخذوه مثالهم المحتذى، ساعين إلى جعل المشرق الإسلامي على المثال الغربي الذي أشربوا حبه.

وظاهرهم في ذلك من أبناء المسلمين من تربى على مناهج المستشرقين ومدارس التبشير وصحافة العلمانية، حيث حقن الجميع من المبتعثين المسلوخين، والمقيمين المنسلخين، حقنوا بالنموذج الغربي، ونصب هذا النموذج في أعينهم معيارًا لكل شيء، وإن اختلفت الأحوال والظروف والملابسات، فكان مما حقن في تفكيرهم، إن الصراع مع الدين وقواعده والثورة عليه هو أسالص النهضة، فقام التلاميذ الأتباع بهذا الدور المتمثل في أوجه عديدة: منها المعاداة للدين والمحاربة للقرآن والسنة والتشكيك في ثبوتها والدعوة إلى العامية والأحرف اللاتينية، وإشعال


= انضم إلى الرهبانية اليسوعية في لبنان وطوف المشرق العربي متنكرًا في زي طبيب سوري، ورحل إلى جزيرة العرب، ثم ترك مسوح الرهبان الذي كان يغطي به أعماله التجسسية وتحول إلى السلك الدبلوماسي في الحبشة وجزر الهند الغربية. انظر: المستشرقون ٢/ ٦١.
(١) أباطيل وأسمار: ص ١٥٧ - ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>