النزعات القومية وتحليل أواصر الأمة الواحدة، وتجاوز كل اعتبار روحي في الحياة والاكتفاء بالمقاييس المادية، واعتبار الاتجاه المادي فلسفة كاملة بذاتها، مضادة لكل ما عداها، وتقديس العقل وتدنيس النقل، وإحياء الوثنيات والأساطير إلى آخر ما هنالك من أباطيل وأضاليل.
لقد كان التعليم للمبتعثين والسيطرة على التعليم في بلاد المسلمين المستعمرة أخبث وأنكى وسيلة استطاع الغربيون فعلها في مضمار غزوهم للعالم الإسلامي، فمن خلال هذين الأسلوبين أخرجوا أجيالًا من أبناء المسلمين وقد صبغوا بالصبغة التي أرادها لهم أساتذتهم.
وقد أكد ذلك المستشرق الحاقد "هاملتون جب"(١) حينما قال: (كانت النتيجة الخالصة لهذه الحركة التعليمية أنها حررت، بقدر ما كان لها من تأثير، نزعة الشعوب الإسلامية من سلطان الدين دون أن تحس الشعوب بذلك، وهذا وحده تقريبًا هو جوهر كل نزعة غربية فعالة في العالم الإسلامي، وهو المعيار الذي نقيس به قوة الرأي الحديث والرأي المحافظ أحدهما بالنسبة للآخر.
إن الإسلام من حيث هو دين قد فقد القليل من قوته، إمّا من حيث هو المسيطر على الحياة الاجتماعية فإنه أخذ في النزول عن عرشه؛ ذلك أن إلى جانبه قوى جديدة يصدر عنها سلطان يناقض تقاليد الإسلام وأوامره الاجتماعية في بعض الأحيان، ولكنه -رغم هذا- يشق طريقه بالقوة غير مبال بتلك الأوامر، ولكي نصف الموقف في أبسط العبارات نقول: إن ما حصل هو هذا، إلى عهد قريب، لم يكن للرجل العادي بين الرعايا المسلمين مآرب أو أعمال سياسية ولم يكن له أرب قريب المنال إلا الأدب
(١) مستشرق إنجليزي مولود في الاسكندرية سنة ١٣١٢ هـ/ ١٨٩٥ م، من أعلام المستشرقين المعاصرين، ومن القائمين على تغريب التعليم في مصر، كان عضوًا مجمعيًا في القاهرة ودمشق، درس اللغة العربية، في جامعات لندن واكسفورد وهارفرد، وكان مديرًا لمركز دراسات الشرق الأوسط. انظر: الصراع بين القديم والجديد ٢/ ١٢٩٠.