التعليم المحلي والتعليم الابتعاثي يشخص الموقف والهدف والغاية من وراء كل المساعي الغربية "استشراقية أو تبشيرية أو تعريبية".
إن الصراع الدائر بين المسلمين الأصلاء وأبناء المسلمين الممسويخن يدور في الحقيقة على قضية سيادة الدين أو عدم سيادته.
وما الكلام عن قضية الوحي إلّا أحد هذه الميادين التي بدأ الصراع فيها مكشوفًا منذ عاد أعمى البصر والبصيرة "طه حسين" من فرنسا وهو يحمل جرثومة العداء للدين، فهاجم نصوص الوحي صراحة بلا مواربة، تحت حماية أسياده، وفتح باب جحدها والشك فيها والسخرية والاستخفاف بها ونفي كونها حقيقة ثابتة، ورفع القداسة عنها.
جاء طه حسين بما انطوت عليه نفسه من غل على القرآن والإسلام، وبما اجتمع عليه قلبه من دخائل العقائد الباطلة والجهالات المتواصلة، آخذ بذنب آراء الموجهين في فرنسا، ومديري التعليم الانجليز في القاهرة، فإذا هو يعلن ما استنسخه من كتبهم، ويشهر ما نقله عن محاضراتهم ودروسهم في زوايا الصمت الباردة المظلمة التي كانت تواري تحت صمتها البارد المخازي والمؤمرات، فكان كتابه "في الشعر الجاهلي" الصيحة الأولى المعلنة لفصل الدين عن الأدب والتاريخ والحياة الثقافية، بل كان هذا الكتاب التطبيق المعلن لمحاربة الإسلام على يد أبنائه، وذلك حين أعلن قائلًا:(للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، وللقرآن أن يحدثنا عنهما أيضًا ولكن ورود هذين الاسمين في التوراة والقرآن لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي، فضلًا عن إثبات هذه القصة التي تحدثنا بهجرة إسماعيل وإبراهيم إلى مكة)(١).
ثم أضاف: (فقريش إذن كانت في هذا العصر ناهضة نهضة مادية تجارية، ونهضة دينية وثنية، وهي بمكة هاتين النهضتين كانت تحاول أن توجد في البلاد العربية وحدة سياسية وثنية مستقلة، وإذا كان هذا حقًا،