للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن بضعة أوامر ونواهٍ، ولم تكن الفكرة أن تجمع هذه الأشياء في صورة كتاب محبوك الطرفين، ولقد أغفل جامعوا القرآن هذه الحقيقة، فإن كل أمر من أوامر القرآن كان ذا علاقة بحالة من حالات ذلك العصر". . .، ثم ما شأن فواتح السور؟ هل هي ذات ارتباط بالحياة الدينية في جزيرة العرب، أم ترتبط بتقنية الكتابة في صدر الإسلام؟ وماذا كانت طبيعة المجهود التحقيقي إن شئت؟ وكيف نعلل التأكيد على خلق اللَّه السموات قبل الأرض في آية وخلق الأرض قبل السموات في آية أخرى؟، ولماذا لم ترتبط هذه الآيات المتناقضة بروابط الناسخ والمنسوخ) (١).

هذه الأسئلة المرتابة التي يطرحها العظمة هي دليل آخر على نمط التفكير الحداثي العلماني في طرح الدعوى بلا دليل، وقذف أسئلة الشك والريبة بلا مستند، وهي عملية هزيلة يستطيع أن يقوم بها أضعف الناس عقلًا.

ولولا ضعف هذه "العظمة" المهشمة وقلة العلم ورسوخ الجهل عنده لما فاه بأقوال تدل على جهله المركب، فهو لا يعرف الحدود العلمية الفاصلة بين القرآن والحديث القدسي والحديث الصحيح والحديث الموضوع مثل حديث الغرانيق، وهو لا يعرف أنه استعان بجاهل مثله وهو إسماعيل مظهر الذي جعل جهد عثمان رضي اللَّه عنه في جمع المصحف غير محمود؛ لأنه بذلك أغلق على الزنادقة والمرتابين أبوابًا كانوا سيتمتعون بالخوض فيها، كعادتهم في ترك الحقائق والفرح بالمشتبهات والموضوعات {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} (٢).

مع أن هذه المسألة التي تعرض لها العظمة ومظهر من المحكمات الواضحات، وما فعله عثمان قد سبقه إليه النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في أصل الكتابة ثم الصديق رضي اللَّه عنه في جمعه بين دفتين، وكل ذلك في سياق الوعد


(١) المصدر السابق: ص ٢٦٣ - ٢٦٤.
(٢) الآية ٧ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>